آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

سامحتك سامحتك.. سامحتك كتير

رائدة السبع * صحيفة الرأي السعودي

في كل مرة يعتذر لي أي شخص عن خطأ ما أتوقف عن تلك اللحظة هل ستكون المرة الأخيرة التي يفعلها؟ لماذا لا يفكر الأشخاص قبل أن يقعوا في شر أعمالهم؟ وهل يجب أن أتقبل الخطأ ومن ثم الاعتذار في كل مرة؟ بالنسبة لي أجد أن تكرار الخطأ هو عقوبة للصَّفْح، والعقاب يشترك مع الصَّفْح في أنه يضع حدًا لشيء ما لأنه لو ترك بدون تدخل لاستمر إلى ما لا نهاية، الناس غير قادرين عن الصفح عما لا يستطيعون معاقبته.

يقدم جاك دريدا في كتابه «الصَّفْح» تحليلًا لكل من الصفح، الغفران، العفو والعفو العام المصالحة والتسامح، ويتحدث عن مفهوم الصفح بوصفه تصرفًا واعيًا ومسؤولًا لا يقوم به شخص ما، سبق أن كان ضحية إساءة أو أذى أو جريمة تجاه الجاني.

يوضح «دريدا» الفرق بين مفهوم الغفران الإلهي والصفح الدنيوي، فالغفران لا يقدم إلا بعد اعتراف المذنب الجاني وطلبه للصفح والمغفرة، أي إعلان التوبة النصوحة وعن التزامه بالناموس اللاهوتي، أما الصفح فهو أشبه بالهبة، فهو مطلق ولا مشروط ولا يتطلب أي شكل من أشكال التوبة، إلا أن الصفح لا يتم إلا في ارتباطه بما لا يتقادم، أي ما لا يقبل النسيان ويبقى في ذاكرة الأجيال.

يضرب هنا بالمثل أن فرنسا حين عمدت طلب الصفح عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في الأراضي الجزائرية، شيدت نصبًا تذكاريًا ومعرضًا يحوي رسومات تدين جرائمها، وبذلك وشم تذاكره الأجيال بعلامة «لا تقبل النسيان» مع أنه تم الصفح عنها.

ويفرق «دريدا» بين فعل الصفح وفعل المصالحة والتي تشرف عليها مؤسسات رسمية، ويقول إن فعل المصالحة يستدعي نسيان وتجاوز ومحو الماضي، فهو سعي إلى إعادة الأمور إلى ال «ما قبل»، أما الصفح فتحققه رهين ببقاء الذاكرة واستحضار ما حدث فمن أجل استقامة الصفح، لابد أن تبقى الذاكرة وأن تعمل.

وبعكس «دريدا» يرفض «جانكيليفتش» فكرة الصفح «فلا خلاص على الأرض ما دمنا نصفح عن الجلادين» حسب مقولة الشاعر الفرنسي بول ايلورا تقابلها مقولة مانيلا «نعم للصفح لا للنسيان».

أخيرًا، تجاوز كل ما يؤلمك، سامح وتجاوز افتح روحك وقلبك للسلام لكي تنعم بحياة هانئة.