آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الإمام الهادي

عبد الرزاق الكوي

قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

”إنّي تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله حبلٌ ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض“.

علي بن محمد الهادي، عاشر أئمة الشيعة الإثنا عشرية، والثاني عشر من المعصومين الأربعة عشر، يكنى بأبي الحسن، و التي قد يعبر عنها في الأحاديث المروية عنه بأبو الحسن الثالث أو أبو الحسن الأخير، و ذلك للفرق بينه و بين أبو الحسن الأول موسى الكاظم و أبو الحسن الثاني علي بن موسى الرضا، زوجته حديثة. كنيتها اُمّ الحسن ، وأُم أبي محمّد ، وتعرف بالجدّة ، أي جدّة الإمام محمد بن الحسن المهدي عليه ‌السلام وأمه الفاضلة الجليلة سمانة المغربية، ولد بالمدينة المنورة في النصف من ذي الحجة 212 هجري مدة إمامته 33 سنة وكان عمره عند توليه الإمامة تقريبا ثمان سنوات، قضى عليه السلام اثنين وعشرين سنة من عمره المبارك في مدينة جده صلى الله عليه واله، وحمل على الهجرة منها سنة 234 هجري، قضى أربعة عشر من سني إمامته في المدينة، وعشرين سنة في سامراء، عاش اثناء خلافة المعتصم بقية خلافته ثم الواثق خمس سنين وسبعة أشهر، ثم تولى المتوكل أربعة عشر سنة، ثم ابن المتوكل المنتصر اشهرا ثم تولى المستعين سنتين وتسعة اشهر و من بعده المعتز ثمانية سنين وستة اشهر، ومرقد الإمام الهادي مع ابنه الإمام العسكري في سامراء وىُعرف بحرم العسكريين، وقد تعرض سنة 2006 و2007 م لعمليتين تخريبيتين قامت بها مجموعات تكفيرية أدّت إلى تدمير القبة والمنائر بالكامل، ولكن بعد ذلك تمّ بناء المرقد من جديد.

قال الشاعر:

وأشخص رغما عن مدينة جده *** إلى الرجس إشخاص المعادي المخاصم

ولاقى كما لاقى من القوم أهله *** جفاء وغدرا وانتهاك محارم

وعاش بسامراء عشرين حجة *** يجرع من أعداه سم الأراقم

عندما نريد أن نتحدث عن أئمة اهل البيت عليهم السلام، فأنا نتحدث عن قران ناطق يتمثل فيه اجل القيم و الفكر الرصين والجهاد المستمر، فكانت المكانة العظيمة التي يتميز بها الائمة عليهم السلام لدى المسلمين والعقيدة التي كان يعتقدون بهم تمثل هاجسا دائما للخلفاء في زمانهما لما لهم من تأثير ومكانة على مواقعهم للسلطة، فكانوا يعيشون هاجسا وخوفا جعل حكوماتهم بولسية وقمعية يطلقون الجواسيس ليرصدوا حركات الائمة ويفتحون السجون لكل مخالف لرأي السلطة، والتضييق على كل من يوالي او يتقرب للائمة عليهم السلام فالائمة فرضوا أنفسهم على المجتمع بما يتميزون من صفات وفضائل لا توجد مثيل لها في خلفاء زمانهم، فكان للإمام الهادي عليه السلام نشاط واسع في ترسيخ وحماية المفاهيم الاسلامية المنتهكة ، وخلق بيئة ومجتمع صالح في أكثر من بلد ومكان. متواصلا مع اتباعه ومحبيه المتمسكين بخط الرسول صلى الله عليه واله والأئمة عليهم السلام، يمثل امتداد مستمر رغم العنف والظلم لم تتوقف المسيرة المشرفة للائمة عليهم السلام بالدور الرسالي في مواجهة التحديات الفكرية الضالة والمنحرفة الدخيلة على المجتمعات الاسلامية، حديثهم حديث جدهم متوارث اب عن جد وصولا لجدهم الرسول صلى الله عليه واله، فحفضوا للإسلام مكانته وللدين الحنيف بقاءه، مما تعرض له من تحريف وتزييف ، حيث نشروا المخالفين لأهل البيت عليهم السلام الأحاديث المزيفة ونشروا البدع والخرافات من اجل محو الدين الحنيف وتشويه الاسلام الصحيح.

قد ورد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله أنَّه قال: ”أيُّها الناس، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي“.

فقد كانت حياة الامام علي الهادي عليه السلام في رحلة معاناة مستمرة كباقي الائمة عليهم جميعا ازكى السلام ، عاشا فيها الامام والتابعين لخط اهل البيت عليهم السلام، ضنك العيش ومعاناة الحياة وصل فيه الواقع الاقتصادي الى الحظيظ وعانا كافة الناس في ظل تمتع الأقلية بالثروة والحضوة عند السلطان، اما بقية أفراد المجتمع فقرا مدقعا وظلما مستشري وسجن لكل معترض على الواقع الفاسد، ولهذا كان دور الائمة وتوعيتهم للامة يمثل فضح توجههم فكان دور الامام عليه السلام محاولا ما أمكن وحسب الظروف السياسية الخانقة والقمع ان يؤدي واجبه في الإصلاح صيانة للمجتمع وحفظ للقيم المنتهكة بالحكمة والموعظة الحسنة، في ظل فساد سياسي واقتصادي وفكري، فمع سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية برزت فرق ومدارس و تيارات منحرفة وضالة لإشغال الناس وإبعادهم عن قضاياهم الأساسية والسكوت عن الفساد المنتشر التي نخرت اركان المجتمع، فتصدى عليه السلام بمسؤوليته الشرعية مدافعا ومربيا جيلا من الاصحاب والاتباع من اجل حماية الدين وصيانة المجتمع وتربية الأمة والدفاع عن العقيدة ونقض كل الأفكار المنحرفة ومحاربة الأفكار الضالة، كان كل ذلك مصدر قلق وخوف من حكام عصره ومكانتهم.

كان هذا الدور للامام عليه السلام في المدينة المنورة وتعاظم مكانة الامام عليه السلام والتفاف الناس حوله، سبب قلق لهم و تهديد لسيطرتهم واستمراريتها، ولهذا تم الامر بإحضار الامام علي الهادي عليه السلام من المدينة المنورة إلى سامراء، من اجل فصل الامام عن بيئته وحاضنته واتباعه ومحبيه ويكون تحت نظر واعين الخليفة، فقد وضع تحت الإقامة الجبرية لأكثر من عشرين سنة من التضييق والمعاناة وانتهاك لمكانة الامام عليه السلام حيث كانو يحملون الظلما والنصب الى اهل البيت عليهم و يحملون مشاعر العداء إلى امير المؤمنين علي واولاده والى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهم جميعا السلام وشيعتهم كانت فترة حكمهم من أحلك الفترات قساوة وظلم على الشيعة وقت امامة الامام الهادي عليه السلام ، ارتكبت جريمة هدم مرقد الامام الحسين بن علي سيد شباب اهل الجنة عليه السلام وهدم ما حوله من الدور وأصدر اوامره لمنع محبي واتباع اهل البيت عليهم السلام من زيارة مرقد الامام الحسين عليه السلام. كان المتوكل يخطط لقتل الامام الهادي عليه السلام لكن القدر لم يمهله فقد قتل على يد الأتراك بمشاركة ابن المتوكل المنتصر العباسي.

طُوْلَ الْمَدَىْ لَا يَنْقَضِيْ تَعْدَادِيْ وَالدَّمْعُ فِيْ الْخَدَّيْنِ مِنِّيْ بَادِيْ

وَجْدِيْ يَزِيْدُ وَمُهْجَتِيْ مَسْعُوْرَةٌ وَتَشُبُّ نِيْرَانُ الْجَوَىْ بِفُؤَادِيْ

وَاللَّيْلُ قَدْ أَمْسَىْ مَسَاهُ تَرَاكَمَتْ سُحْبُ الْهُمُوْمِ عَلَيَّ كَالْأَطْوَادِ

وَأَنَا مِنَ الْوَجْدِ الْمُلِحِّ مُنَغَّصٌ أَبْكِيْ كَمَا يَبْكِيْ الْحَمَامُ الشَّادِي

وَمُرِيْعَةٍ هَجَمَتْ عَلَيَّ بِلَوْمِهَا بِاللَّوْمِ تَلْحُوْنِيْ هُجُوْمَ عَوَادِي

تَدْعُوْ أَلَا خَفِّضْ عَلَيْكَ فَمَا الَّذِيْ يَدْعُوْكَ لِلْأَحْزَانِ وَالْإِنْشَادِ

هَلْ أَنْتَ تَبْكِيْ مِنْ دِيَارٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَتَصَرَّحَتْ كَالْوَادِي؟

أَوْ أَنْتَ تَبْكِيْ لِلْأَحِبَّةِ إِذْ هُمُ شَطَّ الْمَزَارُ بِهِمْ عَلَىْ الْإِبْعَادِ؟

أَوْ لِلزَّمَانِ الْحُلْوِ قَدْ فَارَقْتَهُ وَبِهِ نَعِمْتَ الْعَيْشَ بِالْأَرْغَادِ؟

أَمْ لِلشَّبَابِ وَقَدْ تَوَلَّىْ وَانْثَنَىْ جَيْشُ الْمَشِيْبِ عَلَيْكَ قَهْراً عَادِي؟

فَأَجَبْتُهَا: كَلَّا فَمَا كُلُّ الَّذِيْ خِلْتِيْهِ يَحْدُوْنِيْ عَلَىْ التَّعْدَادِ

لَكِنْ شَجَا قَلْبِيْ وَأَجْرَىْ مَدْمَعِيْ مَا قَدْ أُصِيْبَ بِهِ عَلِيُّ الْهَادِي

مِنْ مِحْنَةٍ وَإِلَىْ أَشَدَّ، حَدَا بِهِ كَيْدُ الْعَدُوِّ وَنِقْمَةُ الْحُسَّادِ

جَلَبُوْهُ عَنْ أَكْنَافِ طِيْبَةَ قَسْرَةً فَبَقَىْ يُعَانِيْ حَسْرَةَ الْإِبْعَادِ

وَيُسَامُ مِنْهُمْ بِالْهَوَانِ عَدَاوَةً وَهْوَ التَّقِيُّ وَقُدْوَةُ الْأَمْجَادِ

اتسمت الفترة التي عاشها الامام علي الهادي بزيادة في الفوضى السياسية والتدهور الاقتصادي وانتشار الفساد المالي والأخلاقي وكثر النهب والسلب وفرض الضرائب التي اثقلت كاهل المسلمين عامة وانتشر الفقر، ومن جانب اخر كانت مجموعة من المنتفعين يعيشون حياة البذخ واهدار مال المسلمين، فكان المهدد لكشف كل ذلك الزيف والواقع المتردي هو وجود الامام الهادي ومجموعة اخدت على عاتقها الإصلاح ما أمكن، وكان القرار الظالم على بقتل الامام حيث استشهد الامام متأثرا بالسم في عمر واحد واربعين قضاها صابرا محتسبا مدافعا عن الدين الحنيف وحماية المجتمع والأمة من ماي يخطط له.

ملكْنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ

وحللتم قتل الأسارى وطالما عَدَوْنا عن الأسرى نعفُّ ونصفحُ

فحسبكم هذا التفاوُت بيننا وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ