آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

الشاعر العلي: أنا صاحب ”السبع صنايع“ والشعر موهبتي الأولى

جهات الإخبارية حوار: سلمان العيد، تصوير: حسن السويد

والدي زرع البذرة، فقمت بسقايتها بالمطالعة والقراءة والحفظ.

عملت حدادا وبناء رجل أعمال وأنا أول رئيس لنادي الملاحة.

شعري أنظمه بالسليقة، وهو كل ثروتي في هذه الحياة.

كتبت الشعر الشعبي والفصيح والحديث ولم استعر ولم أسرق!!.

أدعو الجيل الجيل لإعادة العلاقة الحميمة بالكتابة والمطالعة.

خلال أمسية من الأماسي الكثيرة في محافظة القطيف، استمعت إلى شاعر كبير في السن، لفت نظري أنا وغيري من الحضور بقدرته في نظم الشعر، وإلقائه، فضلا عن حفظه لنوادر الشعر العربي، حينها قرّرت بيني وبين نفسي أن اتقرّب من هذا الرجل، وأقف على تجربته الشعرية، فوجدتها ثرية ومليئة بالمواقف، لأجد أنه لم يكن شاعرا فقط، بل هو ”شاعر، وخطيب، وحدّاد، وبناء، ورجل أعمال“، فوق ذلك مارس التمثيل والرياضة والخط والرسم، بالتالي فنحن أمام شخصية من نوع آخر، أنه الحاج معتوق بن محمد العلي.. فماذا يقول؟

حبذا لو اعطيتمونا نبذة ولو موجزة عن مرحلة الطفولة، كيف كانت؟

أنا معتوق بن محمد بن عبدالله العلي، من مواليد 1364 بقرية الملاحة بمحافظة القطيف، قضيت حياتي الأولى في كنف والدي الحاج محمد بن عبدالله العلي، الذي كان شديد الحرص على تربيتي تربية دينية صالحة، بحكم كوني الوحيد من أبنائه الذكور، بعد فقده «رحمه الله» لثلاثة من الأولاد، وكنت برفقة ثلاث بنات، ومن خلال عطفه وحنانه وعلمه وأخلاقه تعلّمت الكثير الكثير من الأشياء والقيم التي لا تزال باقية عندي، وإلى أن يأذن الله.

لا شك أن تأثير الوالد مباشر عليك، كيف تصف ذلك التأثير، وما الخطوات التي قام بها الوالد تجاه ولده الوحيد؟

الوالد كان رجلا فاضلا، ومرافقا لعدد من علماء الدين الأعلام المعروفين لدينا في محافظة القطيف، وكان متصفا بصفات العلماء، بل حتى لباسه كان مشابها لهم، فهو يلبس العباءة والغترة بطريقة رجال الدين، في الوقت نفسه كان ناظما للشعر، وحافظا للعشرات بل المئات من الأبيات والقصائد، وقام بتحفيظها لي، وصارت جزءا من منظومتي الذهنية، حتى هذه اللحظة.

وهل الوالد هو الذي قام بالتربية والتعليم، أم أوكل هذا الأمر لمن هم أكثر تخصصا في هذا الشأن، على غرار كافة من عاصروا تلك الفترة؟

من حرصه «رحمه الله» أرسلني إلى أحد الكتاتيب «المعلّم حسب مصطلحنا في محافظة القطيف»، فكان أول من التحقت به هو الملا عبدالله بن درويش، حيث تعلّمت علي يديه أوليات تلاوة القرآن الكريم، مع تعليمي قليلا من الخط العربي، إذ كان يقوم بتعليمنا سطرا واحدا كل اسبوع، نتعلّم ذلك السطر ونقدم له ما يترتب علينا من حق مالي تعارفنا عليه بمصطلح ”المربعانية“، وهي تختلف عن مربعانية الطقس التي يتحدث عنها الفلاحون والصيّادون حيث تنخفض درجة الحرارة وتهب الرياح وما شابه ذلك، وقيمة هذه المربعانية نصف ريال، بسعر ذلك الزمان

وكم بقيت برفقة هذا الملا الفاضل؟

قضيت معه سنتين كاملتين، انتقلت بعدها إلى بلدة أم الحمام المجاورة لنا، لألتحق بحلقة الدرس لدى الملا السيد حبيب المعلّم، وقد أكملت تلاوة القرآن على يديه، وكان التعليم بمثابة التهجية وسرد السورة حرفا حرفا، وذلك من أجل تحقيق قراءة الآيات بالشكل الصحيح، وبالمعلومة الصحيحة، وبهذه الطريقة قرأت عددا من سور القرآن القصيرة من سورة الحمد وحتى سورة البيّنة.

وماذا بعد ذلك؟

انتقلت بمعرفة الوالد وبإرادته إلى أحد أبرز رجال الدين في بلدة الجش المجاورة لنا أيضا وهو الملا احمد بن مكي المنصور، والذي كان ”ضريرا“، لكن بصيرته لا يمكن تصوّرها، وعلى يديه حفظت كتاب الله كاملا، وذلك خلال سنة ونصف فقط،

بعد هذه الرحلة الجميلة في رحاب كتاب الله المجيد، ماذا كانت النتيجة؟

بعد أن قضيت هذه السنوات القصيرة في تعلّم القرآن، عرفت أن والدي كان يريد أن يهيأني لأن أكون واحدا من رجال الدين البارزين، المتخصصين في الشريعة، وكان يطمح أن يبعثني إلى النجف الأشرف «في العراق»، لذلك كان يطلب منّي الاهتمام بحفظ القرآن، فحققت له مراده، ووفرت كافة المقدمات لذلك، بحيث صرت مساعدا للخطباء والذي تعارف على تسميته ب ”الصانع“ وفي بعض المناطق ”الطريح“، وهو الذي يقوم بأداء مقدمات المجلس الحسيني أي يقرأ المصيبة دون الحديث والموعظة، فقرأت مقدمات لكبار الخطباء البارزين عندنا، مثل الملا حسن امبيريك، والملا عبدالعظيم المرهون «شقيق الراحل الشيخ علي المرهون»، والملا راضي الطلالوة، وكان الوالد هو الذي يزوّدني بالكتب والقصائد، ولم أكتف بذلك بل كنت أقرأ سيرة العشرين من شهر صفر أي قصة سبايا الإمام الحسين وعودتهم من الشام إلى كربلاء بعد معاناة الأسر والسبي، كما دأبت على قراءة مصرع العباس بن علي.

على هذا، ماذا كان يعمل الوالد، إذا كان يحمل كل هذا المستوى؟

الوالد رحمه الله لم يكن سوى فلّاح، يقوم بكافة الأعمال المتعلّقة بالنخلة وما شابه ذلك، لكنّه كان كما سبق القول من جلساء العديد من العلماء البارزين مثل الشيخ عبدالله بن معتوق التاروتي، والشيخ منصور آل سيف، والشيخ حسن سنبل، وغيرهم وكان يحمل صفاتهم ويلبس لباسهم ويتحدث بطريقتهم، ويملك بعض مواهبهم ومعارفهم، وكان على معرفة مفصّلة بالفقه، لذلك إذا دخل أي مجلس يتم التعامل معه على أنه واحد من رجال الدين.

وهل استجبت لرغبة الوالد وسافرت مثل غيرك إلى النجف الأشرف، أم اتخذت خطوة أخرى، وماذا كانت تلك الخطوة؟

لا لم أخط تلك الخطوة، لأنني وبمجرد التحاقي بالمدرسة، التي جاءت إلى البلاد للتو عشقت الدراسة فيها، وكنت من الدفعة الأولى التي التحقت بالدراسة عام 1378 وكانت تخدم أهالي القرى الثلاث «الملّاحة، الجش، أم الحمام»، وكان أبرز من شجّعني على المدرسة هو زوج اختي المرحوم حسن الزاير «وهو بالمناسبة ابن عمتّي ووالدي خاله، وهو والد الفنّان البارز عبدالناصرالزاير»، وهو الذي رسّخ فيّ حب المدرسة، وقد جرت عملية تقييم لمستوانا العلمي، ولأني كنت استطيع القراءة والكتابة فتم نقلي مباشرة للصف الثاني، وكان معنا أشخاص نقل مباشرة للصف الثالث، ولأنني أتمتع ببعض المواصفات كالصوت الرخيم والقدرة على القراءة فصرت مذيع المدرسة في الاحتفالات، ولأن كافة المدرسين من حملة التابعية الفلسطينية فكانوا ينقلون لنا قصائد وأشعارا لعدد من الشعراء الفلسطينين البارزين او ممن يتناولون القضية الفلسطينية في اشعارهم مثل عمر أبوريشة، وهارون هاشم رشيد وغيرهما، وكنت ألقيه بحضرة المدير حينها أحمد فؤاد الغول.

وماذا بعد تلك المرحلة؟

أنهيت المرحلة الابتدائية «السادس ابتدائي»، قصدت الدمام لأدرس في التجارية المتوسطة، ولكن الرغبة في الدراسة تراجعت، لكوني أردت مساعدة والدي الذي بات طاعنا في السن، بعدها انتقل إلى رحمة الله عام 1398 هـ وكان زوج اختي الحاج حسن الزاير قد سبقه إلى ذلك في شعبان 1389 هـ فبتُّ مسؤولا عن العائلة، ما كان منّي إلّا الانتقال إلى عالم الأعمال، وتركت الدراسة في المدارس.

كيف تم ذلك، وأين حطّت بك الرحال؟

لقد بلغت من العمر حينها 19 عاما، انتقلت إلى الدمام وعملت برفقة رجل يدعي ربيع العماني «وهو عماني الجنسية»، وذلك في مجال الحدادة، فتعلّمت على يديه أصول هذه المهنة، وبقيت معه لمدة عامين، ثم انتقلت للعمل بمحطة التجارب الزراعية «أو معهد الأبحاث الإقليمي» وسجّلت على وظيفة ”عامل“، وحينها لم أكتف بهذا النوع من العمل، فمارست خلال فترات متفرقة عدة أعمال يدوية منها العمل في مجال البناء برفقة استاذ البناء الحاج أحمد العسيف، ودخلت بعد ذلك المجال الوظيفي في إدارة التعليم بوظيفة كاتب، ثم مأمور ملّفات، وامتلكت سيّارة نقل صغيرة انقل بها جرّات الغاز إلى البيوت، والاسمنت والخشب وغير ذلك.

وهل بقيت على هذه المهن الحرّة أم سلكت طرقا مختلفة، خاصة وأن مجالات العمل حينها كانت كثيرة؟

استخرجت سجلا تجاريا، وحافظت على وضعي الوظيفي الحكومي كعامل، واستفدت من السجل التجاري وجلبت خيّاطين للرجال والنساء، وبعدها خبازين، وفتحت لي 3 ورش للتبريد والتكييف في الدمام، ومثلها لصيانة أجهزة الراديو والتلفاز، وفتحت فيما بعد مطعمين، ووصلت بنشاطي إلى القرية العليا وسيهات والقطيف، سواء عبر الخياطين أو ورش الصيانة المختلفة، كما فتحت ورشة مع شخص من الملاحة يدعى عبدالله درويش «وهو غير الملا عبدالله بن درويش، الذي تعلّمت على يديه القرآن» ثم انفصلت عنه بالرضا والحب، وفي خطوة لاحقة فتحت مكتب خدمات عامة، وله فرع في الهند تحت اسم «معتوق انترناشيونال»، وصرت ولمدة 25 عاما مصدرا لجلب العمالة في المجال الزراعي، وحوّلت نفسي من عامل إلى تاجر، وقمت بتغييرها في حفيظة النفوس «التابعية»، ثم غيّرتها فيما بعد إلى وظيفة ”متسبب“.

بعد هذا التحوّل الجذري، من إنسان فلاح ابن فلاح، وابن قرية الملاحة، صرت تاجرا تتحرك في مساحة واسعة في المنطقة الشرقية، هل بقيت على الشعر أم تضاءل الاهتمام به؟

طوال مسيرة حياتي لم أترك الشعر، لأني تربيّت عليه، والوالد كان قد زرع في نفسي حب الأدب والشعر، والموهبة من الله جل شأنه، والوالد رعاها وقام بتنميتها، ولأني كنت أحفظ الشعر بغية إلقائه على المستمعين كمقدّمات مجالس الخطباء كما ذكرت في بداية الحديث وكان أول بيت كتبته هو:

مرّت علي بثوب كان يخطفني

فقلت: ”يارب أدركني من الخطر“

ألم تتعلم على أحد في هذا الشأن؟

كل شعري بالسليقة، لم أخطيء ولله الحمد في أي وزن، كما نظمت الشعر الشعبي وكنت ألقيه بمرأى من الطلّاب والمعلّمين في المدرسة، فكتبت شعرا عن تعليم الكبار، وعن ظاهرة الخنافس، وعن غلاء المهور وعن.. وعن، والسبب في ذلك أن الموهبة التي كانت لدي ورصدها الوالد وأكد عليها، قمت برعايتها أكثر من خلال المطالعة والقراءة، فلا يوجد شاعر عربي من الأولين والآخرين، الّا قرأت له منهم رموز الشعر الجاهلي «أصحاب المعلّقات»، وشعراء العصور التي تلتها، قرأت أشعارهم وأحفظ منها عن ظهر قلب المئات بل الآلاف من القصائد، لذلك اكتب الشعر تجاه أي موقف انفعل به.

بعد هذه المسيرة الحافلة، والمليئة بالأعمال والمشاريع، كيف وجدت الوقت كي تكتب الشعر، خاصة وأن مجال المال والأعمال قاسية ولا ترحم؟

ليس لدي طقوس معينة في كتابة الشعر، وليس لدي وقت بعينه أنظم الشعر فيه، ولكنّي انفعل بسرعة تجاه أي موقف فأقوم بمعالجته شعريا، وأكثر المواقف تؤلمني وتثير قريحة الشعر لدي هي المواقف الإنسانية، فمثلا حينما حدث حريق القديح المشؤوم عام 1420 نظمت خمس قصائد حول الحدث، وما زلت حين أتذكر الحدث أصاب بحالة غريبة من الحزن أريد أن أعبر عنها.. وأما حول تأثير الحياة التجارية على الحياة العامة، فأنا ومنذ أن عملت في هذه المجالات لم أكن أبحث عن الثراء بقدر ما كنت أبحث عن ضمان حياة كريمة لي ولعائلتي، فلدي من الأولاد خمسة ذكور وسبع إناث، وفي وقت ما كان لدي 65 عاملا في مجالات مختلفة، والآن ليس لدي سوى عاملين، وقد تقاعدت عن العمل وأنا متفرغ للشعر والثقافة.

هل ثمة شاعر معين كان قدوة لك، وكنت تواظب على قراء شعره دون غيره؟

كنت وما زلت معجبا بشعر الجواهري وشعراء فلسطين والشعراء المصريين، لكنّي لم أقف على واحد منهم، بل قرأت لهم كلّهم، واي ديوان يقع في يدي اقرأه وقد أدوّن بعض الملاحظات عليه، وأرصد نقاط القوّة ونقاط الضعف.

أينك من الفنون الأدبية الأخرى؟

كما سبق القول فأنا شاعر شعبي أيضا، وكتبت الشعر الحديث، وقد قرأت شعر كل من ”السيّاب، وبلند الحيدري، ونازك الملائكة، ونزار قبّاني“، وقرأت العشرات من الروايات العربية مثل روايات نجيب محفوظ ويوسف السباعي، وإذا لم أكن قد درست في الجامعة، لكنّي بفضل الله عرفت أين أضع رجلي فصقلت موهبتي ولله الحمد، وعلى ذكر الشعر الحديث أنا لا أميل إلى بعض أنواعه، خصوصا الذي يميل إلى غموض المعنى، والابتعاد عن الموسيقى الشعرية، وأميل كثيرا إلى أن يكون الشعر الذي اكتبه واضحا في كل شيء، فأنا أكتبه بخط واضح وفي دفاتر مسطّرة، كلّها موجودة لدي في صندوق من الورق «كرتون»، وفي هذا المجال أؤكد بأن الشعر الحر ليس سهلا، وليس بمقدور كل أحد الكتابة من خلاله.

ألم تفكر أن تعمل بما تملك من موهبة، من قبل الصحافة؟

عملت فترة قصيرة في جريدة اليوم كمدقق لغوي برفقة الأديب الشاعر خليل الفزيع، الذي صار رئيسا لتحرير الجريدة فيما بعد.

هل كانت لديك هوايات أخرى غير الأدب والشعر؟

لدي جملة من الهوايات، منها الشعر بشتى أنواعه وأشكاله، والخطابة بطرائقها المختلفة، وصرت في وقت ما منشدا لأن صوتي رخيم وجميل في وقت ما، كما صرت ”رادودا“ أنظم القصيدة وألقيها على جمهور المعزين، كما صرت في وقت ما ”بهلوانا“ أي بطل كمال الأجسام، يتم كسر الطوب على صدره، وأذكر أن حريقا جرى في أحد المنازل لم يستطع أحد أن يقتحم المنزل فقمت بكسر الباب الخشبي برأسي! هذا فضلا عن هوايات الخط والرسم، والتمثيل وقد مثّلت مع الممثل السعودي البارز «ابو مسامح»، وشاركت في مسلسل جحا مع الممثل حسين الهويدي، وفي وقت ما عملت مدربا رياضيا للأشبال على كرة القدم، ومارست هواية ركوب الخيل، استطيع أن أقول لك بأني ”صاحب السبع الصنايع“، واستطيع أن أقول بأن ما انتجته من الشعر هو كل ثروتي بعد أولادي الأعزاء وعليه ينطبق ما قلته سابقا:

هذه كل ثروتي بعض حبر على ورْق

سطّرتها مشاعري من دموع ومن أرقْ

مثلما يجلب الفتى لقمة العيش بالعرقْ

قلمي ما استعارها من أديب ولا سرقْ

أينك من الأنشطة الاجتماعية الأخرى؟

أنا حاضر في كافة المحافل والأنشطة الاجتماعية المختلفة، فقد كنت أول رئيس لنادي الملاحة الرياضي، كما قمت بتدريب الأشبال في نادي الهداية بالجش، فضلا عن أنني حاضر في كافة المحافل الاجتماعية.

في ختام الحوار، ماذا تحب أن تقول؟

أدعو الجيل الناشيء إلى إعادة العلاقة مع الكتاب، والقراءة وكسب المزيد من العلم والمعرفة. واشكرك على هذا اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.