آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:10 م

أسود وأبيض

من الأشياءِ التي لم يراها شبابُ وشابات اليوم هي ندرة قنوات التلفازِ وقلة الصحف والمجلات. كانت المحطات التي يلتقطها تلفاز الأمس في جيلنا مع أنه كان في ”حجم الفيل“ أقل من عددِ الأصابع وإن رؤيةَ واحدةٍ منها ولو في خطوطٍ بيضاء وسوداء وصوتٍ مشوش كان باعثاً للسرور في أنفسنا.

هذه الندرة في القنواتِ والصحف والمجلات الدورية رافقها رؤيةُ مشاهد وأشخاص بتكرار في برامجِ التلفاز أو أعمدة الصحف الورقية. ولم يكن الخيار سوى رؤية ذلك البرنامج أو قراءة ذلك العمود الصحفي وآخر الدواء كان الكي في إطفاء زر التلفاز أو رمي الصحيفة والنوم باكراً! أبناء اليوم ولدوا مع وفرةِ القنواتِ والصحف والمجلات والمواقع فكان لهذا الانتشار قراء وكُتاب وقنوات وبرامج لا عدَّ ولا حصر لها. ومع ذلك يبقى الخيار بيد الإنسان يختار ما يقرأ ويرى.

نقول عن الصراحة أنها تأتي في لوني الأبيض والأسود، وبما أنني من جيلِ التلفاز الأبيض والأسود فلا أرى سوى قناتين أو ثلاث ولا أقرأ إلا لمن تستهويني كتاباته. وشرطي الوحيد لمن أقرأ له وأستمع له ألا يجعل مني إنسانا ”أقل“ قيمة، فمتى ما انتقص من قيمتي الانسانية وحاول أن يخلقَ مني إنساناً مسخاً أو وحشاً فلن أكترث به.

صك البراءة والبراعة يطلبه الكاتب ويعطيه القارئ والمشاهد دون حضور أي منهما فلن يعرف الكاتب من يقرأ له ومن يشتمه إلا ما ندر! وهكذا يجب أن يستمتعَ القارئ اليوم والمشاهد عندما يعتقد أن المادةَ تضيف رقماً موجباً لقيمه الذاتية مهما كانت. وإن كان سوى ذلك حقَّ للقارئ أن يشيحَ بوجهه دون أن يشتمَ الكاتب فلربما قيمة ما يكتب توافق هوى في فؤاد آخر! فمن المرجح أن لن يحصل الكاتب الهاوي اليوم المال هذا إن سلم من دفعاتِ الشتم والسبابِ اليومي.

لا تستحث اليوم كاتباً على الرحيل بشتمه، فهو بطبيعته سوف يطوي أوراقه ويضعَ قلمه في جيبه عندما تنضب مادته ويحتار ماذا يقدم لغيره سوى اسمه ورسمه. سوف يشيخ كل كاتب ويختفي عندما تأكله مادة التاريخ وتطور التقنيات وذوق المتابع. والرجاء عندما يشيخ واحد تكون أنت الشاب هو الآخر، من يغرس الفسيلة ويسقيها وألا تحزن عندما تُشتم دون سبب!

مستشار أعلى هندسة بترول