آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الاختطاف.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

الموقف من جريمة الاختطاف واضح، ومستنكر من الجميع، باعتبارها عملا يتنافى مع القيم الدينية، والأخلاقية في الوقت نفسه، الامر الذي يتجلى في رفض هذه الممارسات، بغض النظر عن مبرراتها ودوافعها، خصوصا وانها تسلب المرء حريته، وتجعله أسيرا لواقع جديد فرض عليه بالقوة، اذ ما تزال البشرية تعاني من ويلات العبودية على اختلافها، والتي تركت جروحا عميقة في قلوب القوميات، التي كابدت ذل العبودية بواسطة المستعمر.

جريمة الاختطاف تتخذ اشكالا عديدة، بعضها يمارس بشكل علني، بواسطة عناصر تمتلك السطوة والنفوذ، مما يدفعها لارتكاب الجرائم على اختلافها، بعيدا عن القيم الأخلاقية، فهي تنطلق من غايات وأهداف شخصية بالدرجة الأولى، مما يحفزها على الإمعان في اذلال الضعفاء، ومحاولة كسر ارادتهم، وقتل روح الرفض والمقاومة، بحيث تأخذ مختلف أنواع الجرائم، حيث يشكل الاختطاف احد الأساليب المعروفة، لدى أصحاب النفوذ والسطوة، الامر الذي يفسر محاولات الهروب، التي تتكرر بين فترة وأخرى، في بعض المجتمعات البشرية.

الاختطاف المادي يمثل نكسة كبرى في البيئة الاجتماعية، حيث تكثر عمليات الخطف، والابتزاز المادي مع انتشار الفوضى، وانعدام الامن وتزايد الجماعات الاجرامية، نظرا لانكسار حاجز الخوف في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يدفع لاستغلال هذه الظروف الاستثنائية، للدخول في تجارة الاختطاف لتحقيق بعض المكاسب المادية، حيث سجلت الكثير من المجتمعات حالات الاختطاف، مع دخولها في الفوضى، وانعدام السلم الاجتماعي، وبالتالي فان الاختطاف ليس مرتبطا دائما بامتلاك السطوة والنفوذ، وانما نتيجة انفراط عقد الحالة الأمنية، وغياب السلطة القوية من المجتمع، مما يدفع بأشباح الليل للخروج لممارسة لعبة الاختطاف، والعمل على المقايضة المالية، مقابل الافراج عن الضحايا الأبرياء.

بالإضافة لذلك، فان الاختطاف الفكري، لا يقل خطورة عن جريمة الخطف المادي، فالاول يسعى للسيطرة على المجتمع بشكل عام، من خلال تكريس ثقافات محددة، بعضها مرتبط بالبيئة السائدة، والبعض الاخر مستورد من بيئات خارجية، وبالتالي فان الأطراف الساعية لاختطاف المجتمع فكريا، تتحرك وفق خطوات مدروسة، تفاديا للاصطدام المباشر مع النخب الثقافية، وكذلك مع مختلف الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان المواجهة المباشرة ليست في صالح مشروع الاختطاف الفكري، مما يفرض استخدام الطرق المختلفة لتحقيق الاختراق الحقيقي، بمعنى اخر، فان التحرك لتوجيه الرأي العام الاجتماعي، يستدعي انتهاج سياسات مرنة، وليست جامدة، بهدف تطويع البيئة الاجتماعية باتجاهات متعددة، عوضا من اتخاذ مسار واحد، لاحداث حالة من القبول، وانتزاع جميع اشكال الرفض، والمقاومة الفكرية.

الاختطاف المادي خطر حقيقي على الاستقرار الاجتماعي، باعتباره بذرة شر تنمو لتحرق الأخضر واليابس، جراء سيطرة الروح الشريرة لدى شريحة اجتماعية، العمل على تفتيت النسيج الداخلي، عبر ممارسات غير أخلاقية، وليست مبررة على الاطلاق.

كما الاختطاف الفكري، لا يقل خطورة عن الخطف المادي، فالسيطرة على الفكر تولد كوارث كبيرة على المجتنع، جراء دخول أفكار وثقافات غريبة، مما يسهم توجيه المجتمع باتجاه مسارات، ليست في الصالح العام، الامر الذي يفرض انتهاج سياسة واعية، في التعاطي مع الأفكار الدخيلة، من خلال الاختيار الصالح ورفض الطالح، بغض النظر عن الضغوط والمغريات، التي يقدمها حملة هذا التوجه الفكري.

امتلاك المجتمع الإرادة الصلبة، سلاح قوي في وجه مختلف عمليات الاختطاف المادي والمعنوي، فالإرادة بإمكانها افشال جميع الخطط المرسومة، فيما السكوت وعدم التحرك يساعد في نجاح تلك الخطط على اختلافها، وبالتالي فان وجود ثقافة مقاومة عنصر أساسي، في إعادة الأمور للمربع الأول، خصوصا وان الأطراف الأخرى ستعيد حساباتها بشكل جاد، انطلاقا من الوقائع على الأرض، الامر الذي يقلص مساحات التحرك، للوصول الى الأهداف المرجوة، مما يخلق واقعا مغايرا تماما عن التصورات المسبقة، والموجودة في مخيلة أصحاب مشاريع الاختطاف.

كاتب صحفي