أنا وأخي وابن عمي
كنت في الصغر أستريح إلى سماعِ قصص هبوطِ الجراد الذي يجمعه الناس ليأكلوه في خليطٍ من الحاجةِ والمتعة. وليمةٌ سبقتني بسنوات، أما الآن فبين الفينة والأخرى أرى جرادةً واحدة بين الأشجار فلا أعبأ بها. جرادةٌ واحدة لن تؤذي وأنا الغالب في معظمِ حالات الصراع معها.
ولما جاءت أسرابُ الجراد مع نهايةِ شهر شباط المنصرم بانت وظهرت معها قوةُ الاتحاد. تلك الجرادة الضعيفة في حد ذاتها عندما تكون جراداً ”بالجمع“ تتحد وتشكل خوفاً ورعباً يهلك الحرثَ كله ويكون كارثةً من الكوارثِ التي لا ترحم. ذلك الاتحاد يجب أن يتعلم منه الإنسان فهو في مفرده ضعيف لكنه عندما يتحد مع بني جنسه لا يمكن سحقه والانتصار عليه.
الدروس والعظة التي يقدمها الحيوان الذي هو أقل رتبةً في العقل من الإنسانِ للإِنسان كثيرةٌ جدا. إذ في البراري عندما يقل الماء ويندر الغذاء تَتحد الحيواناتُ بحثاً عن الحياة. تصطاد الاسود مجتمعةً لكن تلك الأسود حين تطارد الجواميس متراصةً في قطيع وتعزل واحداً منها غير مدركة أن ذلك الجاموس سوف ينادي عندما يعضه ألمُ الجراح على بقيةِ القطيع الذي يهب لنجدته قد ينتهي العراك بمقتل الأسد القوي.
تلك الحيوانات لا تعرف ولا تسأل عن قرابةِ من يحتاج يداً ومثل أغلب بني البشر: ”أنا وأخي معاً ضد ابن عمي، وأنا وابن عمي وأخي ضد الغريب“، وكذلك ”جلدٌ ليس جلدك جره على الشوك“. بينما من الأجدى أن يكون مثلهُ: يداً بيد وكتفاً بكتف!
إذا رأيتَ الطيور المهاجرة تطير في أسراب فهي ليست نوعاً من الرقصِ والبهجة تقدمه للإنسان وليست طيوراً كبرت كلها في عشٍ واحد. بل هي طيور اجتمعت لتستفيدِ من دفعِ الريح الجماعي التي توفرها كل الأجنحة، فتقول للنسر إن اصطدتَ واحداً منا سوف يصل باقي السرب ويستمتع بالربيع وتستمر رحلتنا إلى ما لا نهاية.
يقدم الإنسانُ كثيراً من الدروس النظرية، منها كيف لا تنكسر الرماح والعصي مجتمعة:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى
خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسراً
وإذا افترقنَ تكسرت أفرادا
بينما يقدم الحيوان دروساً عمليةً فوق مسرح الحياة. ألم تهجم أسراب الجراد على قومِ فرعون إلى درجة أنّها وقعت في أشجارهم وزُروعهم أكلاً وقضماً وإتلافاً، حتى أَفرغتها من جميع الغصون والأوراق، ثم أخذت تؤذي أبدانهم، بحيث تعالت صيحاتهم واستغاثاتهم؟ ثم كان بعده القمل والضفادع الصغيرة والكبيرة في كلِّ مكان تزاحمهم في البيوت والغرف والموائد وأواني الطعام؟! لو كانت منفردةً لم تكن لتقضي على إنسانٍ واحد يستمر في عناده حتى آخر مرحلةٍ من حياته.
