آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

الجاهل.. العالم

محمد أحمد التاروتي *

صدور الخطأ من الجاهل، لا يقارن بصدوره من العالم، فالاول لا يتوقع منه سوى ارتكاب الهفوات، سواء الصغيرة او الكبيرة، مما يجعله في موقع التهمة على الدوام، فيما العالم لا ينتظر منه صدور الخطأ، مما يجعل الأخطاء الصادرة من العلماء صدمة، على الإطار الشخصي تارة وعلى الصعيد الاجتماعي تارة اخرى، خصوصا وان الجميع ينتظر من العالم الإرشادات والنصائح، بما يقود الى الرشد والصلاح.

تختلف الأخطاء باختلاف مرتكبيها، فالهفوة الصادرة من الجاهل، لا تقارن بالخطأ المرتكب من العالم، نظرا لموقعية كل شخص في البيئة الاجتماعية، فالاول يعيش على الهامش، وغير قادر على احداث اثر في الواقع المعاش، نظرا لمحدودية تحركاته وتأثيراته في الوسط الاجتماعي، فيما الثاني يمتلك القدرة على التأثير في العديد من الأوساط الاجتماعية، مما يجعل الأخطاء الصادرة منه جسيمة، وغير مقبولة على الاطلاق، خصوصا وان البعض بدون وعي يحاول تقليد العلماء، على اعتبار انها ممارسات سليمة، الامر الذي يهدد المنظومة الأخلاقية في المجتمع، جراء انقلاب المفاهيم السائدة، فيما يتعلق بالقيم الأخلاقية القائمة.

أخطاء الجاهل تبقى ضمن إطار محدودة، وليست قادرة على اختراق الوعي الاجتماعي، نظرا لوجود حواجز نفسية قادرة على تحكيم تلك الأخطاء، ضمن مساحة جغرافية صغيرة، خصوصا وان النظرة للجاهل لا تتبدل سواء في الممارسات الصغيرة او الكبيرة، الامر الذي يشكل حاجزا معنويا في التعاطي بعقلانية مع أخطاء الجاهل، وفقا للحقائق على الأرض، التي تضع الأشخاص في المكانة الحقيقية، بخلاف التعاطي مع العلماء باعتبارهم سبيل الرشاد، وأصحاب القدرة على رسم الطريق المستقيم، مما يحتم التعامل بحذر مع مختلف المواقف، سواء ذات العلاقة مع الاخرين، او القضايا ذات البعد الاجتماعي، بمعنى اخر، فان اتباع الطريق العقلاني، والابتعاد عن الأخطاء، يمثل سبيل النجاة لفريق العلماء، وكذلك للبيئة الاجتماعية، لاسيما وان الأقدام على الأخطاء يجلب معه العديد من الويلات، والكوارث في المنظومة الفكرية الاجتماعية، نظرا لوجود فريق يتخذ من ممارسات العلماء مشروعية، لانتهاج ذات الاعمال، مما يضع المجتمع في مواجهة مباشرة مع منظومة القيم الأخلاقية.

الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها بعض المجتمعات البشرية، مرتبطة بعملية التقليد الأعمى، لبعض أخطاء العلماء، مما ساهم في النزول للهاوية، وعدم القدرة على النهوض مجددا، جراء السير الأعمى بدون وراء العالم، دون ادراك لتداعيات على البيئة الاجتماعية، الامر الذي يسهم في بروز بعض المشاكل العميقة في طبيعة العلاقات الاجتماعية، نتيجة تنامي بعض الظواهر السلبية، الناجمة عن تكرار الممارسات غير السليمة.

التعاطي مع الأخطاء بطريقة واعية، يسهم في حماية المجتمع من الوقوع في المزالق، ويمنع ارتكاب ذات الهفوات، فالخطأ يبقى مرفوضا سواء الصادر من الجاهل او العالم، ”الحق لا يعرف بالرجال.. يعرف الرجال الحق.. فاعرف الحق تعرف أهله“، وبالتالي فان وضع ميزان واضح يقضي على حالة الالتباس، التي تعري بعض العقول، مما يحول دون انسياق المجتمع وراء الممارسات الخاطئة، الصادرة من بعض الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي، خصوصا وان ميزان الصواب يشكل المحرك الأساس، وراء تقييم تلك الممارسات على اختلافها.

حماية المجتمع من الأخطاء الجسيمة، تتطلب وضع ضوابط في طريقة التعاطي مع الممارسات الخاطئة، فكما ينظر لأخطاء الجاهل بعدم الاهتمام والتجاهل التام، باعتبارها ممارسات صادر من شخص غير قادر على التفريق بين الخطأ والصواب، فان الحكمة تستدعي وضع هذه المعايير على مختلف الأخطاء، بغض النظر على الشخصيات التي ارتكبتها، الامر الذي يحدث حالة من التوازن الداخلي بالمجتمع، مما يحقق الاعتدال في الممارسات، والحفاظ على منظومة القيم الأخلاقية، خصوصا وان التنازل عن ميزان الاعتدال يدخل الوسط الاجتماعي، في متاهات يصعب الخروج منها بسهولة.

كاتب صحفي