آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

عوائق الإنجاز في ثقافتنا

معادلة الإنجاز هي:

الإنجاز = الكفاءة * المثابرة* الاستقامة * العمل مع الآخرين

الإنجاز يشمل الأهداف المادية والروحية والفكرية والاجتماعية، فهو كل نتاج نافع يقدمه الفرد لنفسه او لمجتمعه او لوطنه او للبشرية. وفيما يلي سنركز على بعض عوائق الإنجاز في ثقافتنا عسى أن نجد لها حلولا تؤدي الى النهوض بمستوى الأداء والإنتاجية.

الكفاءة:

وهي تشمل العلم والثقافة والمهارات والخبرة. والعوائق هنا تتمثل في جانبين مهمين هما:

• يعتبر البعض أن الشهادة الجامعية او ما بعدها كافية لتحقيق الكفاءة المطلوبة، وسرعان ما يجد معلوماته وقد عفى عليها الزمن نظرا لتسارع وتيرة التطور العلمي والفني. يضاف الى ذلك أحيانا، ضعف الوعي الثقافي نتيجة الإحجام عن القراءة والاطلاع على الدوريات العلمية والاجتماعية المتخصصة. أما في المهارات، فالقدرة على الحديث والكتابة مثلا مهمة جدا وتحتاج الى صقل مستمر وتجربة دائمة. ولعل الخبرة العملية من أهم العناصر، حيث تعتبر عشرة الاف ساعة ضرورية لتكوين الخبرة المطلوبة. هذا في حين أن بعض الأعمال لا تضيف خبرة تذكر عدا بعض الإجراءات الإدارية والمعاملات الكتابية.

• مما يؤسف له، أن بعض الكفاءات لا يتم الاستفادة منها سواء في التوظيف او في الترقيات في المناصب لأسباب غير مهنية، بينما يتم توظيف وترقية من هم أقل كفاءة، مما يسبب ردة فعل سلبية ويضعف الأداء العام لبعض الشركات والأعمال. إن البحث عن أسباب هذه الأمور مهم جدا ليتم وضع حلول رقابية عليها تعتمد على الشفافية في المقابلات الشخصية وفي الترقيات الى المناصب المهمة.

المثابرة:

• يستاء الكثير من المثابرين من عدم العدالة في تقرير الأداء او التوظيف او الترقيات مما يضعف أداؤهم تدريجيا فتقل مثابرتهم كردة فعل لسوء المعاملة التي تعرضوا لها.

• إن المنافسة الشريفة تحقق المثابرة وترفع مستوى الإنجاز. ولكن حين تغيب المنافسة نتيجة عدم العدالة، لا يحتاج أهل الحظوة الى المثابرة نتيجة ضمانهم التقدير والترقيات دون تعب، بينما تموت جذوة النشاط لدى المثابرين الذين يتعرضون لسوء المعاملة.

الاستقامة:

يرى البعض أن الاستقامة الأخلاقية ستكون مقيدة للتصرف وكابحة للإنجاز مقارنة بالبراغماتية التي تعتبر أن النفع المادي هو المقياس الوحيد للصواب. والحقيقة أن الاستقامة هي الالتزام بالطريقة التي تحقق سمو وتكامل الأنسان روحيا وماديا ليكون سيد هذا الكون فيؤدي دوره في عمارة الأرض وحضارتها. وحيث أنها تهدف الى تحقيق التوازن بين جانبي الإنسان الروحي والمادي، وذلك صعب المنال، فإننا نلاحظ الكثير من الإفراط والتفريط في حياة الناس.

الإفراط في جمع الثروة:

يسعى البعض على مستوى الأفراد والشركات لجمع الثروة دون مراعاة لأبسط المقاييس والحقوق الاجتماعية. والاستقامة هنا تلجم الإفراط وتعالجه، فتحرم الغش والاحتكار والتجارة في المحرمات وغصب الآخرين حقوقهم مثلا، وتهدف الى المحافظة على إنسانية الفرد فلا يكون سبعا ضاريا ينهب الآخرين حقوقهم ليكدس الثروة ولا يصرفها في أوجه الخير والإحسان.

إن من أوضح الأمثلة على هذا الإفراط:

• الفساد المالي بما يمثله من هدر للأموال وتأخير للمشاريع وتعطيل للإنجاز، ولذلك تسن القوانين ويتم متابعة ومراقبة الأداء لمنعه والتقليل منه.

• الفساد الإداري الذي يتمثل في محاباة الأقرباء وتنحية الآخرين وحجب الثقة عنهم وتخصيص الفرص للأقرباء قبليا وغيرها. إن ترقية عديمي الكفاءة قد يلحق الضرر الفادح بالتنمية الاقتصادية نتيجة سوء القرارات الناتجة عن عدم خبرتهم وسوء ادارتهم.

التفريط في كسب الرزق الحلال:

ينزوي البعض عن الحياة فيهمل السعي في طلب الرزق بحجة التفرغ للعبادة، وهي شبهة يدعمها الجهل في فهم التراث أحيانا. ولعل نظرة بسيطة في آيات القرآن الكريم والروايات تنير لنا الطريق للوصول الى التوازن المطلوب، فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقال الإمام علي «أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا»، وروي: «ليس منا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه»، وروي: «ليس الزهد أن لا تملك شيئا ولكن الزهد أن لا يملكك شيء»، وروي: «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله»، وقال تعالى: ﴿ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون، وقال تعالى: ﴿الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية.

الوسطية بين الإفراط والتفريط:

يحقق الزخم الروحي التوازن بين مطالب الدنيا وغايات الآخرة، فيصب في صالح العمل وكسب الثروة والسعادة الدنيوية ويجعلها سبيلا للسعادة الأخروية. إن الغني الشاكر المنفق على المحتاجين مثال للعبد الصالح السعيد دنيا وآخرة.

الاستقامة تشجع الحركة والحياة وتحارب الانزواء والكسل. الاستقامة تعني العمل للدنيا والآخرة معا، فمن يكسب وينفق لمساعدة المحتاجين قد يكون مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: «و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا». الاستقامة تعني الإحسان والبر بالآخرين وهو ما وعد الله عليه بالخلف والنمو والبركة. الاستقامة تعني محاربة الفساد المالي والإداري والسعي حثيثا لتحقيق التنمية في أوطاننا العزيزة.

هذه هي الثقافة التي يحتاجها المجتمع فالعمل عبادة، والثروة خير عظيم لأنها سبب ووسيلة للعزة وللإحسان الى الآخرين.

العمل مع الآخرين:

هناك رواسب في ثقافتنا تعزز الخوف من المشاركة مع الآخرين لأنها كما يدعي البعض سبب للمشاكل والنزاعات التي تهدد مستقبل الأعمال الحرة، ويضربون لذلك الكثير من الأمثلة التاريخية التي تؤكد هذه الثقافة. والحقيقة أن أي شراكة مع الغير يجب أن تكون وفق ضوابط مكتوبة ومقننة ومتفق عليها ومن ضمنها ضمان حقوق الكل في حالة الانفصال مستقبلا لتبقى حالة الأخوة بين المتشاركين دون الإحساس بالظلم والهضيمة. إن سبب أغلب النزاعات التي يذكرها البعض هو عدم وجود الأنظمة المكتوبة المتفق عليها من الجميع مما يجعل الوضع قابلا للتأويل والنسيان واختلاف الرأي.

الأعمال التجارية والصناعية تحتاج الى رؤوس أموال ضخمة وعقول إدارية حكيمة وهذه لا تتوفر غالبا في شخص واحد او أسرة واحدة. كما أن الشراكة توزع المخاطر بين المتشاركين فتسمح بتوزيع الفرص والمخاطر على جميع الأطراف المشاركة. لذا فالشراكة المبنية على أسس صحيحة أصبحت ضرورة قصوى للمنافسة في الأسواق المفتوحة حاليا والتي يغلب عليها ثلاثة أمور:

• الشركات ذات الخبرة العالمية

• رؤوس الأموال الكبيرة

• الإدارة الحكيمة

لذا فإن ثقافتنا تحتاج الى تغيير في المفاهيم لتسود فكرة الشراكة المقننة والواضحة بين جميع الأطراف ومن كافة الأطياف في أوطاننا العزيزة.

أسأل الله التوفيق والسداد وأن نعمل على تشذيب ثقافتنا الاجتماعية بالفهم الصحيح لمفاهيم الكفاءة والمثابرة والاستقامة والعمل مع الآخرين وتطبيق الحلول لمعالجة العوائق المذكورة.

بقي علينا سؤال هام وملح جدا عن مستوى الإنجاز في مجتمعاتنا، وكيف نحفز الإنجاز للنهوض بمجتمعنا في كل المجالات المادية والفكرية والاجتماعية؟ نسأل الله أن نوفق للإجابة على هذا التساؤل مستقبلا.

رئيس جمعية مهندسي البترول العالمية 2007
والرئيس التنفيذي لشركة دراغون اويل سابقا.