آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

الكذبُ المغفور

راودني الفكرُ صباحَ اليوم أن أكذبَ لك عن إشاعاتِ الموت، لكنني أصررتُ إصرارا أن أكتبَ لك عن إشاعات الحياة. سوف أعد الأفراحَ والزيجات بدلاً من أن أحصي المآتم والأحزان، فهناك ملايينٌ من الناسِ يكتبونَ عن الموتِ في كلِّ زاويةٍ من زوايا الكون!

تتصارع أرقامُ الموتى والأحياء في كلِّ يوم إذ يولد ملايين من البشر ويموت أقل منهم لتستمر الحياة. لكن إشاعات الحياة والمواليد لا تنتشر ولا تتضخم، وإشاعاتُ الموت والموتى تتقدم وتخطف السمعَ والنظر. أرقامُ الأحياءِ تبعث على السكونِ والراحة ولا تخيف ولا تنتشر، بينما أرقامُ الموتى وأعدادهم تبعث على الخوفِ والهيجان وتكون حطباً يابساً تضطرم فيه النارُ بسرعة.

في أحدِ الصفوف، قبل ثلاثين سنةٍ تقريباً، أراد أحد أساتذتنا أن يعطينا درساً قديماً في تغير وتبدل الحقائق عندما يقول أحدٌ ما ”كما وصلني“! فأخرج منا عدةَ أشخاص وأسرَّ لواحدٍ سراً ليخبره من بقيَ في الصف، ثم ذاك الشخص ينقله لمن بعده. لم تكن إلا دقائقَ معدودات وتغيرت أحداثُ القصةِ المنقولة، كبرت في جهةٍ وزادت في جهةٍ أخرى. وفي كل نقلةٍ تزداد تشويقاً وطرباً يغري السامعَ الذي هو الآخر يدلي فيها بدلوه!

في الحياةِ أشياء وأخباراً أكثر روعةً وجمالاً يمكنها أن تكونَ إشاعات، فلربما تكون حقائق إن كبرت، وهي بأي حالٍ لن تستطيعَ نفي حقائق الموت. فمن أجمل قصص وروايات الحياة تلك التي كانت فيها المريضة تنتظر سقوطَ آخرَ ورقةٍ من أوراقِ الشجرةِ في فناءِ المستشفى ثم تموت بعدها بمرضها، لكن ورقةً واحدةً لم تسقط وبقيت تنتظرها حتى شفيت. بعد شفائها عرفت أن أختها الكبرى دست ورقةً واحدةً خضراء مزيفة من مادةِ البلاستيك بين الأوراق فلم تسقط!

لا بأس: زيفوا لنا الحياةَ وزيفوا لنا الأملَ ولو كانَ فيه شيءٌ من الغش! انشروا لنا أخباراً ولو كاذبةً عن الحياة، سوف نصدقها بكلِّ رحابةِ صدر، ولن نغضب منكم. ذلك الأمل والتفاؤل الذي إن سقطنا أخذ بأيدينا وننهض وتستمر الحياةُ في العملِ وبذل الجهدِ والكلامِ المحفز للفرد والجماعة. أعطونا جرعاتٍ ولو مصطنعة تزيد من قدرتنا على الصبرِ والتحملِ والعزيمة والإرادة، وليس سواها!

أعللُ النفسَ بالآمالِ أرقبها
ما أضيقَ العيش لولا فسحة الأملِ

لم إذاً تغلقوا نافذةَ العيشِ وفسحةَ الأمل؟

مستشار أعلى هندسة بترول