آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

مكروهة وجابت بنت

المهندس أمير الصالح *

كتاب ”التفكير السليم و التفكير المعوج “ لروبرت ثاولس يستعرض عدة مواقف وأمثلة يكون فيها بعض بني آدم في موقع مزدوجي المعايير ويطلقون مغالطات فكرية. ينكشف الإنسان المغالط أمام الآخرين لعدم موضوعيته في التعاطي مع ذات الموضوع في التشخيص وطرق المعالجة . فمثلا يقول الكاتب روبرت: في الوقت الذي ينتقد الإنسان ممارسة الواسطة وسوء توظيف العلاقات الشخصية اذا وقع الضرر عليه بسببها ، ترى ذات الشخص يتبجح بمكاسبه الناتجة عن معرفته لفلان او علان الذين توسطوا له لبلوغ منصبه او استحصال ترقية له .

مثال آخر هو انه في الوقت الذي يذم الإنسان المدير المتشدد اذا مورس التشدد عليه ، تراه يشيد بذات المدير اذا كان هو مراجع لدائرة او قسم منضبط لوجود كل الموظفين على مكاتبهم حتى آخر دقيقة من وقت الدوام .

ولعل مثال الأوبئة التي مرت وتمر على الأوطان اصرخ مثال في ازدواجية المعايير وعدم وضوح التفكير لدى البعض من البشر . فالبعض من الناس إذا حل فيروس ما بمنطقة ليست منطقته وهو يضمر الكراهية لأبناء تلكم المنطقة لأي سبب كان ، أخذ ينعت الآخرين بأقذع النعوت ويطالب بأقسى التشدد في التعامل مع أبناء تلكم المنطقة المنكوبة بالوباء بل قد يقول ما هو أكثر من ذلك . والغريب انه اذا حل ذات البلاء بمنطقته أو منطقة هو يميل اليها تراه ينادي بأن هذا ابتلاء واختبار من الله في حق أحباءه ويدعو الناس لرص الجهود والصفوف الوطنية لمساعدة ابناء منطقته؟!

هذه الازدواجية في المعايير والتعامل هي في حد ذاتها بلاء فكري ونفسي كبير وقد تكون حالة سائدة في فضاء معين ومتنحية في فضاء جغرافي آخر . حديثا ابتلى بني البشر بفيروس الكورونا الجديد covoid19. واظهر أهل الوفاء والإخلاص معدنهم بالدعوة لتظافر الجهود ومقارعة الوباء والامتثال لتوجيهات وزارة الصحة في بلدانهم وإطلاق ندوات التثقيف الصحي وتوزيع المعقمات وإلقاء المحاضرات وتفعيل الإجراءات الاحترازية . وأظهر من جانب آخر بعض من أناس مجهولي الجغرافيا والانتماء عبر تغريدات تويتر ما ينم عن معدنهم و سقوط انسانيتهم.

أتساءل: ماذا سيكون ردة فعلك لو أصاب جارك أو أحد أصدقاءك في العمل وباء covid 19 بعد سفره أو انتدابه لبلد غير محجوب أو ممنوع مثل الصين أو ايطاليا أو كوريا الجنوبية أو أمريكا أو نيجيريا أو أي دولة أخرى؟

هل يكون هذا الوضع بالنسبة لك مغنم للشماتة او مصدر للمعاضدة والمؤازرة؟ نعم قد تلوم جارك المسافر لتلكم الدول وقد تحجب نفسك عنه وقد تنصحه بأن يتقدم للجهات المعنية لحجزه صحيا الا ان هذا لا يعني انك ستعمل على ما لا يخفف عنه مانزل به من مصاب. أليس كذلك؟!

لم اقرأ اي مسح او دراسة او احصائية من اي جهة عن طبيعة الجواب للسؤال السابق ذكره في اي بلد أُصيب بعض مواطنيه بوباء ؛ ولكن تجولت متصفحا في التويتر و بعض مواقع التواصل الاجتماعي في فترات مختلفة في عدد من محطات الوباء عند حدوثها مثل أنفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير ومرض جنون البقر . المحطة الاخيرة كانت كورونا covid 19 وجدت بعض التغريدات التي اقل ما يقال عنها انها جدا قاسية وتنم عن كراهية مفرطة وحقد دفين وموغلة في السادية والفحش في استنطاق الخصومة والتشفي ومليئة بالشماته للمواطنين المصابين بالفيروس وهي تغريدات مجهولة المنبع بالنسبة لي . ولكون التغريدات أخذت مفعول في صناعة التنفير في حق مكون من النسيج الوطني وجب على كل الشرفاء التعامل مع تلكم التغريدات لمعالجة التأثير . حملت معظم التغريدات على محمل انها مجهولة المصدر و لا اعلم من يقف خلفها من الناس من ذوي المصالح الخفية الا اننا كأبناء مجتمع حتما و يقينا نؤمن بأن المختصون بالأمن السيبراني يرصدونها و سيوقعون الجزاء الرادع في حق أولئك العابثون في حفظ النسيج الوطني .

التاريخ ينقل لنا بأن عهود ما قبل الإسلام كان العرب يأدون المولودة اي البنت لأنهم متعلقون بالابناء كون الابناء رمز القوة والسلطة والامتداد وحمل لقب الاسرة اما البنت يومذاك فيبخسونها حقوقها. و كانت المرأة في تلكم العصور السالفة بشكل عام محط ازدراء الا القليل منهن . و يزداد مستوى الازدراء و البغض للمرأة المتزوجة عندما تنجب بنت . و من هنا قيل المثل الذي عنونت به المقال . فعليا المغردون في حق مواطنيهم الذين ابتلوا بوباء صحي بالسوء يمارسون ممارسات قريبة من ذاك السلوك الجاهلي المشين و عملهم في نعت ابناء طيف مكون وطني كامل يعبر عن حقدهم و كرههم لبعض مواطنيهم بشكل عام الا انه ازدادت ضراوة الكراهية منهم لأولئك مع ابتلاء بعض ابناء ذاك المكون الوطني بمرض الكورونا الجديد و اضحى ابناء ذاك الطيف ضحايا لأسهم التسقيط الإعلامي و مصداق حالهم هو المثل الشعبي :

مكروهة وجابت بنت .

حتما القصة لن تنتهي بتشخيص الحالة كونها كراهية الا انه لابد ان تنجلي هكذا ممارسات تسقيطية في حق أي مكون وطني لتجذير شعور الانتماء في قلب كل مواطن . اؤمن انه بتضافر جهود الشرفاء والمخلصين من ابناء الوطن لتصدي للنعرات . وحان الوقت لردع أولئك العابثين من خلال اصدار قوانين تجريم وعقوبات رادعة وفاعلة لحماية النسيج الوطني.