آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

يوميات العزل الصحي «3»

أثير السادة *

الذين اشتهوا الصباح فسحة لاستعادة العافية مازالوا يؤثثونه بالحياة، فالمنتزه الكبير بسيهات مازال يحسب معهم خطواتهم، ويروي لنا سيرة ناقصة عن قلق الكورونا.. ظلال الأرجوحة تكشف عن طفلتين في ساحة اللعب، بساط صغير بالجوار تركن له عائلة صغيرة، الهواء عليل هناك رغم ارتفاع مؤشر الحرارة، حفيف الشجر الكبير يقطعه صوت مذياع من بعيد، يقترب الصوت أكثر فأكثر، كان أحدهم يمارس رياضته ويصغي لمذياعه كبير الحجم، اختناقات مرورية، ومراسلون، ثمة حديث يشبه برامج الإذاعات الخليجية في مطلع النهار، لكن لا شيء في الأخبار عن الكورورنا.

وحدها الطرقات الرئيسة تقترح شكل اليوم الثالث من حصار الكورونا، عدد السيارات العابرة من شارع الخليج العربي آخذ بالنقصان، عدد ضئيل للسيارات الشخصية في قبال سيارات الشحن ونقل الأغذية، عند مفترق الطريق بين الدمام وسيهات، جرى تقديم نقطة الفرز لتكون قبل إشارة التهذيب، حالات الاختناق المروري في اليومين الفائتين أرشدتهم إلى ضرورة تحويل القادمين باتجاه الدمام قبل الوصول إلى الإشارة، والسماح للحالات المتفق عليها بالعبور.

اللوحات الإعلانية لوزارة الصحة صارت تزاحم الإعلانات التجارية في خاصرة المكان، تنبيهات وتوجيهات، تعاضد الرسائل اليومية والتطمينية لوزارة الداخلية على الهواتف النقالة، لا يمكن القول حتى الآن بأن هنالك هلع في المدن المعزولة، ولعل مؤشر الإصابات المنخفض بالقياس للدول الأخرى مازال يهب الناس الطمأنينة، ليس سوى حذر يختمر، بانتظار أي نبأ لحالة وفاة أولى، لا قدر الله، ليكبر ويصبح فاتحة لسلوكيات، وعادات، وطرق حياة جديدة.

لا شيء في هذه العزلة يكبر كالشعور بحدود المكان، صورته المرسومة في الخرائط والأذهان، يمثل الحدث تربة خصبة لاستنهاض المكان كهوية تصوغ شكل العلاقة مع الآخر، وترسم تصوراتنا عن الذات، يتسابق المصممون في تعضيد الإحساس بروح الجماعة الواحدة، برمزية المكان وجغرافيته الاجتماعية، تنهض من جديد روح التغني بالمكان، فيديوهات عاطفية، وأغان تختبر أشكال تعالقها به. في العالم الافتراضي ثمة انشغال بفرز المتضامنين والمتنمرين على السواء، موجة فرح برسائل مديح وتضامن يعقبها موجة سخط لتعليقات وتغريدات تعاود التذكير بالتبعية والولاءات الخارجية، ولأن إيران هي المشهد الخلفي للمرض يصبح الحديث عنه إعلاميا ملغماً بالاحتمالات والاتهامات.

هل أفصح كل القادمون من إيران عن زيارتهم لها؟.. سؤال يشاغب مخيلة الناس داخل المعتزل وخارجه، سؤال يمشي باتجاه الخوف من المرض والخوف من الافصاح عند القادمين من هذا البلد، لا سلطان للناس على الناس في هذا الأمر، الشكوك قائمة، لكن أحدا لا يريد أن يتهم جاره، أو زميله، أو أن يكون خبراً مرسلاً يثير الهواجس والظنون، وغياب التأكيدات في هذا الجانب يجعل من الواقع الصحي أكثر هشاشة، لأن الذين يراهنون على نسيان المرض، ونسيانهم، قد يكونوا سبباً في جعل سكان هذا الساحل رهائن لموجة مرض قد تطول.