آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:06 م

هل يستحيل فحمُ المأساةِ ماساً؟

كم مرة تولد الأزمات أجملَ الحلولِ وأروعَ الأفكار، ويصدق فيها قول ”ربَّ ضارةٍ نافعة“؟ ليست هذه الأزمة العالمية استثناءً فهي لابدَّ أن تكون موجبةً في نهايتها. ويستنبط منها البشرُ دروساً وعبراً قبل أن يعبروها لأزمةٍ أخرى.

هذه المخلوقات الحقيرة أظهرت لنا كم هو مهمٌّ أن نعتادَ ولو شيئاً يسيراً فوق ما اعتدناهُ من العنايةِ والرعاية بأجسادنَا وأنفسنا، عناية عقلانية تقوينا ولا تتسبب في هلاكنا. وكم تمنينا أن تشملَ هذه الرعاية الفائقة التي أوليناهَا أجسادنا، وحَسَناً فعلنا، مكان معيشتنا والطرقَ والأسواقَ والمتنزهات والأماكنَ العامة.

من المؤسفِ حقاً أن تكون هذه العناية والرعاية في حدودها الضيقة ولا تتعدى الجسدَ إلى ما هو أبعد وأعمق في البيئةِ القريبة والبعيدة لتتوسع دائرة الحمايةِ والوقاية وينتشر الجمالُ والزينة من حولنا. حينها حتماً سوف تزداد مناعتنا الجسدية ويرتفع معدلُ سعادتنا.

ومن المؤسفِ حقاً أن لو نظر إلينا قادمٌ من مكانٍ آخر لعممَ صورةً بائسةً لا تعكس حضارتنا وثقافتنا ورسوخَ أقدامنا في التاريخ. كل الرجاءِ أن تتغيرَ هذه الصورة السيئة بعد هذه الأزمة التي ولدتها مخلوقاتٌ حقيرةُ الحجمِ ومتناهية في الصغر إلى عكسها تماماً. ترى الشوارع والطرقات الآن تزينها الورود بألوانها البديعة لكنك لا تكاد تنظر لها من قربٍ إلا وبعثت في نفسكَ الغصةَ حين ترى بين كلِّ زهرةٍ وأخرى كمَّا من علبِ المشروباتِ والسجائر وكل ما استطاعت الريحُ أن تقذفهُ وشاءَ الناسُ أن يرموه مشاةً وراكبين!

ليس من الحضارة والنظافة في شيء إن اقتصرنا على ما نحن عليه الآنَ واحتجنا لأزمةِ مرضٍ أو علةٍ قاتلة لتذكرنا بما يجب أن نكون عليه. بينما المقولةُ العقلائية التي نعرفها كلنا هي ”درهمُ وقاية خيرٌ من قنطار علاج“. نحن الآنَ ننفق القناطيرَ من العلاج التي يمكننا أن نصيرها دراهمَ حماية خارج منازلنا وبيئتنا وننقذهَا مما يشوبها من قبحِ المنظر وتلوث البصر.

بكلِّ تأكيد إن لم نفعل كما فعلت مجتمعاتٌ أخرى فلن تنزلَ مخلوقاتٌ من السماءِ تنظف ما حولنا. ولن ينفع كل التضرع والدعاء في رفعِ الأوساخِ التي نملأ بها ما حولنا. لا يكفينا أن نبني كلنا طوبةً واحدةً وواحدٌ منا ينقض ويهدم عشراً، بل لابد أن نيقنَ أن البيئةَ هي سفينةٌ واحدةٌ لنا كلنا، نشترك في الهواءِ والماءِ والغذاء والمنام، وما يسر الناظرَ وما يؤذيه، فهل تنفع هذه الأزمة الضارة أم تمر وننتظر الخيرَ أن يأتيَ من رحمِ المشقاتِ القادمة؟

مستشار أعلى هندسة بترول