آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

حين أصبحَ الشفاءُ في الجفاء!

المهندس هلال حسن الوحيد *

في سنواتِ الدراسةِ والعمل كان لي كثيرٌ من الأصدقاءِ الغربيين، وكنت أُداعبهم عندما يغيب أحدهم في إجازةٍ ثم يعود ويَستقبله أصدقاؤه ببساطة وفتور وكأنه لم يغب عنهم سوى ساعة لا غير! بينما أنا وأصدقائي كنا بالكاد نفترق يوماً ومتى ما التقينا كان السلامُ حاراً والأسئلة عن الأهلِ والأحوالِ لاعدَّ لها ولا حصر.

لم أعتقد أبداً أن كلَّ سؤالٍ يسأله كلُّ صديقٍ لي كان يعني حتماً الاهتمامَ الصادق اليقين، لكن في كلِّ الأحوال كنت أباهي صديقي ”جو“ الأمريكي وأعيرهُ بقلةِ المشاعر التي تنهال عليه من معارفه. لم يكن صديقي ”جو“ يحضر وفاةَ كل من يسكن في بلدته وبكل تأكيد لا يدعوه كلَّ جيرانه لحضور أفراحهم. فكانت أيضاً محل تندرٍ به لولا الوقت الذي كان يظن أنه يوفره لنفسه من عدمِ حضور كل مناسبة!

في هذه الأيام، ومع الحرمان من الكثير من الالتزامات المجتمعية، اقتربتُ كثيراً من ”جو“. أمرُّ على أصدقائي وأكتفي بالسلامِ وهز الرأس دونَ إبداءِ المشاعرِ الجياشة الرقيقة التي في العادةِ نتبادلها. ربما هي الضرورات تغير سلوكَ كل البشر دون استثناء! لكن بكل أمانة في كلِّ مرة ألتقي بأصحابي تضطرب في حشاشتي مشاعر يصعب كبتها، وإن لم أضع يدي في جيبي فسوف تمتد دون شعورٍ نحو من ألتقي ويغضبه نبضُ قلبي!

مع تقبلي وإطاعَتي وإدراكي لكلِّ تعقيداتِ هذه المخلوقات الحقيرة والمميتة ووجوب الوقاية منها، إلا أنني أخشى من استدامة برودةِ المشاعر وأتمنى ألا يطولَ مكوث هذه المخلوقات. فإن طال كثيراً سوف أشترك في جفاءِ وجفاف المشاعر مع صديقي ”جو“ الذي تركته منذ أعوام ومنذ افترقنا لم نلتق، وأعود غريباً غربياً في مشاعري والتزاماتي الاجتماعية.

مشاعر اختلفت في المجتمعات منذ أن عرفها أهلها، لم توحدها أو تقربها الديانات ولا الحضارات والثقافات، بل مخلوقاتٌ صغيرةٌ قربتها نحو قيمتها السالبة والسفلى وليس نحو قيمتها الموجبة العليا! أظن أنَّ في كلٍّ منا ”نقطة التقاء“ نلتقي عندها ونسميها ”إنسان“ في الخوف والجوع والحرب والبغض، ثم تباعدنا مشاعرُ الأمنِ والشبع والسلم والحب حين تتعدد الخيارات!

مشاعرنا التي كانت غضةً طريةً أصابتها فيروساتُ العصرِ الحديث فمرضت، ثم جاءت فيروساتٌ حقيقية تريد دفنَ ما بقيَ منها حياً. في كلِّ الأحوال البعد عن الحبيبِ لا يشفي ولا يقل من الوجد والقربُ من غير ذي ودٍّ ليس بنافع!

مستشار أعلى هندسة بترول