آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

كورونا.. المنازل

محمد أحمد التاروتي *

فرض فيروس كورونا واقعا جديدا، على الحياة اليومية، في مختلف الشرائح الاجتماعية، فالفيروس لم يكتف بتعطيل الحركة اليومية، والقضاء على الروتين اليومي لدى غالبية الافراد، وإنما تسلل بقدرة فائقة الى الحياة الشخصية للفرد، بحيث انعكست على طريقة التعاطي مع المحيط القريب، خصوصا وان الانعزالية الإجبارية او الطوعية، أنهت شبكة العلاقات الخارجية، نظرا لسلسلة الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار العدو غير المرئي.

طريقة التعاطي مع الظرف الاستثنائي، تمثل المخرج المناسب للخروج من الوضع الراهن، بعزيمة قوية لمواجهة الظروف القاهرة، لاسيما وان البعض ليس معتادا على البقاء، في المنزل لساعات طويلة، سواء لساعات العمل الطويلة، او جراء طبيعة السلوك والثقافة الشخصية، التي تحكم تصرفاته في الحياة، وبالتالي فان الوجود القسري في المنزل ينعكس على طريقة تصرفاته مع المحيط القريب، بحيث تقود لاكتشاف المنظومة الأخلاقية، لدى البعض تظهر في الأوقات العصيبة، مما يدفعه لانتهاج ممارسات غير متوقعة، ومستغربة أحيانا، نظرا لوجود تحت ضغوط نفسية، فرضتها الحياة الخارجية على الجميع.

وجود ثقافة إيجابية يساعد في امتصاص ردات الفعل السلبية، الناجمة عن البقاء الإجباري في المنزل، فهناك العديد من البرامج القادرة على تحويل الظروف الاستنثائية الى طاقات إيجابية، مما ينعكس على اكتساب الكثير من المهارات، ذات الأثر الكبير على الحياة المستقبلية، خصوصا وان التعامل مع الأوضاع الحالية بطريقة مختلفة، يساعد في تجاوز الضغوط النفسية، التي تتولد لدى البعض، نتيجة الجلوس لساعات طويلة في المنزل.

التحرك بطريقة عقلانية بعيدا عن الانفعالات، والقرارات الارتجالية، يساعد في احداث الأثر الكبير في استيعاب المرحلة الراهنة، خصوصا وان الكثير من القرارات الاحترازية، ليست بمعزل عن المصلحة العامة، نظرا لارتباطها باستمرارية المسيرة المجتمعية بشكل عام، فالتجاهل المتعمد مع الإجراءات الاحترازية، تولد تداعيات سلبية على الجميع، بحيث لا تقتصر على فئة دون أخرى، مما يقود لنسف الجهود الجماعية، عبر تصرفات فردية غير مسؤولة، او غير مدركة للنتائج الكارثية في المدى القريب.

الجلوس الإجباري في المنزل، لا يحمل في طياته الجانب السلبي، بشكل مطلق، بقدر ما يكتسب في الوجه الاخر جوانب عديدة، فالبقاء في المنزل يعطي فرصة سانحة، لمزيد من التقارب بين أفراد الاسرة الواحدة، خصوصا وان إيقاعات الحياة العصرية، تحول دون الجلوس لفترات طويلة، بين أفراد العائلة، وبالتالي فان الظرف الحالي يوفر المناخ الاسري لمزيد من التقارب، نظرا للساعات الطويلة التي تجبر على التواجد في المنزل، بمعنى اخر، فان الوجه المشرق لإجراءات البقاء في المنازل، يتمثل القضاء على الحياة الانعزالية، التي يعيشها البعض يوميا، نتيجة الركض وراء لقمة العيش طوال العمر.

بالإمكان وضع العديد من البرامج ذات الأثر، في تنمية المهارات الذاتية، خلال فترة البقاء في المنزل، فكل شخص بامكانه ممارسة الاعمال القادرة، على تفجير الطاقات الكامنة، مما يسهم في بناء القدرات والكفاءات الذاتية، وبالتالي تحويل الظروف الاستثنائية الى برنامج بناء، على الصعيد الشخصي والاسري في الوقت نفسه، خصوصا وان القضاء على الفراغ يتطلب البحث عن الاليات المناسبة، المنسجمة مع الرغبات الخاصة، فالمرء يقبل بشغف على البرامج التي تلبي ميوله الذاتية، فيما يعزف عن جميع البرامج غير المحببة، الامر الذي يستدعي الاختيار الأنسب بعيدا عن اليات الفرض، واستلاب حرية الاختيار مهما كانت الأسباب.

المجتمع امام اختبار حقيقي في المرحلة الراهنة، فهو قادر على تسجيل العلامة الكاملة، للنجاح بدرج الامتياز، في امتحان الإجراءات الاحترازية، لمواجهة الحرب الشاملة مع فيروس كورونا، من خلال انتهاج الاليات المناسبة بطريقة ذكية، بعيدا عن الأساليب الانفعالية، والقرارات الجنونية، فيما سيضع المجتمع في موقف لا يحسد عليه، بمجرد التعاطي بشكل ”بارد“، مع الإجراءات الاحترازية، وانتهاج الطريقة المعاكسة، للدوافع الحقيقية للجلوس، عبر الوسيلة المتبعة في ممارسة البرنامج اليومي، في المنزل طيلة فترة البقاء، بعيدا عن المحيط الخارجي.

كاتب صحفي