آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

فيروس كورونا.. اطلق العديد من التساؤلات

محمد الحرز * صحيفة اليوم

الهواجس التي سببها فيروس كورونا للعالم مرعبة ولا حدود لها، كأننا في أجواء أحد الأفلام المرعبة التي لا تتوقع نهايته، كأننا فجأة دخلنا حربا عالمية ثالثة ضد عدو لا يرى بالعين المجردة، كأن العالم أصبح على مدار أربع وعشرين ساعة غرفة طوارئ لا تستوعبها أي مستشفى ولا أي كادر صحي. استنفار واستعداد وترقب وخوف وقصص مرعبة تتناقلها وسائل الإعلام عن سرعة انتشار هذا الفيروس بين البشر وآثاره المدمرة على الجهاز التنفسي خصوصا لكبار السن.

هذه الأزمة العالمية أبانت عن الكثير من الحقائق وفتحت الباب على الكثير من التساؤلات والقضايا الخطرة التي كانت تحذر منها المنظمات الإنسانية والحقوقية والبيئية. أبانت عن تلك العقول التي ما زالت تؤمن بالخرافات والأساطير التي تحمي من كل الشرور والأخطار والأمراض في العالم، أبانت عن تلك العقول التي لا ترى العالم سوى فسطاطين متضادين لا يلتقيان، فسطاط الخير المطلق وفسطاط الشر المطلق، وأن هذا الأخير لا عمل له في هذه الحياة سوى تدبير المؤامرات ضد هؤلاء المؤمنين. وكأن الاعتداء الوحشي على الطبيعة من جراء السباق المحموم بين الدول في إنتاج الأسلحة المدمرة، والسباق المحموم بينها في التصنيع، والآثار الكبيرة التي خلفها هذا السباق على البيئة وحياة الإنسان والمجتمع لا يعني لها شيئا بالمرة، وكأنها عقول ما زالت تعيش في كهوف التاريخ وتتخيل عدوا لا وجود له.

أبانت أيضا عن وحشية النظام الرأسمالي في نسخته الأحدث التي تخلت عن الكثير من القيم الإنسانية الكبرى التي تبنتها دولة الرفاه في الغرب، وأصبح النظام الصحي على سبيل المثال مرهونا للأسواق الاقتصادية والمالية ولنظامه الذي لا يؤمن الحماية لا لكبار السن المحتاجين للرعاية، ولا للطبقة الفقيرة أو المتوسطة التي لا توفر شيئا من مدخراتها، ولا تملك سوى قوت يومها لأسرة متوسطة الحجم فقط.

خلال الأيام الفائتة وهذه الأيام، ونحن نطبق نظام العزلة المنزلية؛ احترازا ضد فيروس كورونا كما أمرتنا الدولة، كنت أتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع صديق قديم وهو مثقف ومبدع عربي يعيش في إحدى الدول الأوروبية أكثر من ثلاثين سنة، وقد تحدثت معه حول هذه الأزمة وتداعياتها على العالم. وفي أحد الحوارات رحت استفسر منه عن الأوضاع الجارية هناك وكيف هي الاستعدادات، هل كما هي معروضة من خلال وسائل الإعلام أم أن هناك رأيا مختلفا؟ لم يهول الوضع هذا الصديق ولم يقلل منه، لكنه لفت نظري إلى مسألة لم تخطر على باله يوما من الأيام عندما قرر أن يهاجر إلى هذا البلد الأوروبي. يومها كانت أوروبا بالنسبة له وللكثير من جيله حلما كبيرا يستحق تحمل المشقة والصعاب لأجل الوصول إليه، ولم - والكلام له - نكن نلام على ذلك، فأوروبا السبعينات والثمانينات كانت منارة وشعلة في كل المجالات الحياتية، والكل يسعى للعيش في أرجائها دون تردد أو تلكؤ، ومن السخف الاعتقاد خلاف ذلك. لكن بعد كل هذه السنين توصلت إلى حقيقتين: الأولى أن مجرى التطور الذي كان يمس التحولات في الحياة الأوروبية والذي أدى إلى بروز مظاهر التحديث واستيعاب المختلف من بقية الاجناس والتطور والاستقرار والمستوى المعيشي والحقوقي الذي طالنا منه الشيء الكثير عندما استقررنا فيها واستفدنا منه، هو ذاته الذي جعل أوروبا يضيق ثوبها وتذهب في تفكيرها السياسي والاجتماعي وحتى الفكري جهة اليمن وحتى أقصى اليمين. وهذا ما لم يخطر على البال يوم جئنا إليها. الحقيقة الأخرى، أن أزمة فيروس كورونا كشفت ليس عن يمين أوروبا، ولكن كشفت عن هشاشة الدولة وأيضا المجتمع في التصدي لهذا الخطر مقارنة بدولة عربية مثل السعودية التي أعطت مثالا لمثل هذا التصدي المبهر.