آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

علي الخنيزي.. شهامة وإنسانية

نداء آل سيف *

منذ أن تفجرت قضية الأطفال المخطوفين من مستشفى الولادة بالدمام ومستشفى القطيف المركزي «موسى الخنيزي ومحمد العماري ونايف القرادي»، ومن ثم عودتهم إلى أهاليهم الحقيقيين، في قصة تابعها الجميع، برزت في الأثناء شخصية مميزة سرعان ما خطفت الأضواء، ألا وهو الحاج علي الخنيزي، والد المختطف العائد موسى. حتى أيام قليلة سبقت عودة الأبناء الثلاثة إلى أهاليهم، لم يكن الحاج الخنيزي في نظر الكثيرين من معارفه أكثر من تاجر ناجح دمث الأخلاق، إلا ان هذا الأمر تغير تماما، فقد ظهر الرجل بشخصية استثنائية فرضت احترامها على القريب والبعيد.

كان الجميع يتوقع مع عودة الأطفال المخطوفين الثلاثة أن تسدل عائلاتهم الستار على مجمل القضية، باستثناء الشق القانوني الذي تتولاه الجهات المختصة. غير ان علي الخنيزي، ضرب أروع صور الإنسانية والإحساس بالاخر، من خلال تبنيه وعرضه المساعدة في عودة طفل مخطوف رابع هو اليمني نسيم حبتور ضمن مبادرة أطلقها هو والمحامي سعد بن شايع قبل أيام.

الخنيزي أثبت أنه صاحب قلب نقي بعيد عن لوثة الطائفية المقيتة والعنصرية السوداء. فقد بادر هذا الرجل بإطلاق مبادرة البحث عن الطفل المخطوف، في محاولة منه لـ ”اكمال سعادته هو“ التي بدأت بعودة ابنه موسى إليه في قضية الاختطاف الشهيرة قبل شهر تقريبا.

على الخنيزي ولأنه كان فاقدا لابنه ل21 عاماً فهو يشعر تماماً بمشاعر والد نسيم، ويعرف مرارة الشوق وجمرة الحنين لولد غائب. فقد ذرف الدموع ذاتها وسهر الليالي مثله، وسمع ذات الدعوات من الأم الحزينة. وعاين ذات المشاعر. ومن هذا انطلقت مبادرته بالتعاون مع المحامي بن شايع ومعهم والد المخطوف نسيم حبتور، وعرض خلالها مكافأة مالية تتعدى المليون ريال للدال على معلومات بشأن نسيم.

الخنيزي في كل لقاءاته بعد المبادرة الرائعة والوطنية كان يقول: ”ودي ترجع الفرحة لوالد نسيم وأمه ويتوب الحاضن لله وسوف ينكشف الأمر عاجلا أم آجلا. كن شجاعا بدلا من مجرم كي لا يكون مصيرك مثل الخاطفة وكي ترضي الله“.

في هذا الخطاب الصغير كان الخنيزي وكعادته، ذكياً وملامساً لجانبي الخير والشر في الذات. فهو يرّغب الخاطف أو الحاضن بإعادة نسيم وأن يكون شجاعا وبطلا من باب ”الإعتراف بالخطأ فضيلة“، وصحوة الضمير الذي كان نائما ل24 عاما.

وفي ذات الوقت يخاطبه بالتهديد بأن عدم الاعتراف سيجعل مصيرك مشابها لمصير الخاطفة الأطفال مريم. لاسيما وأن هناك مكافأة مليون ريال لمن يدلي بأي معلومات، وهو ما يسيل لعاب أي انسان لديه معرفة بالأمر.

أجمل ما في القصة والذي يجعلنا نرفع القبعة إحتراما للخنيزي هو سعيه للمبادرة التي كانت محل اشادة من الجميع، ضاربا عرض الحائط بكل نزعات العنصرية والتمييز الطائفي. فلم يهتم بأنه مواطن سعودي وشيعي المذهب بينما نوري حبتور «والد المخطوف نسيم» مقيم يمني سني المذهب. وأعتقد ان هذا الاختلاف هو ما جعل للمبادرة قيمتها الفعلية التي بينت أن الروح الإنسانية هي أسمى المشاعر وأن التلاحم والمحبة لا تعترف بالمذاهب والاختلاف.

على الخنيزي.. بعد مبادرته تلك أصبح وسما في تويتر يتداوله المغردون معبرين عن شكرهم بالآلاف من التغريدات التي تؤكد أن الذي يشعر بألم غيره ويسعى لتخفيف هذا الألم بكل ما أوتي من قدرة ”مادياً ومعنوياً“ هو رجل شهم يفيض إنسانية وحبا للخير.

لا أنسى في هذا الصدد، مبادرة والد نسيم حبتور بزيارة الخنيزي في منزله في اليوم الأول الذي عاد فيه ولده موسى، وإصراره رغم ألمه وحزنه على مشاركة القطيف فرحتها بعودة موسى، فقد التقطت الكاميرات صورتهما وهما يتعانقان وأعتقد أن هذا الموقف كان نقطة البداية لعلاقة صادقة أثمرت هذه المبادرة الإنسانية.

كل ما نتمناه أن تؤتي هذه المبادرة أكلها. ويعود نسيم لأحضان والديه، ولترسم السعادة على ملامح والده الصابر الذي ردد ذات مرة بأن ”الرجال لا يبكون“. كلنا أمل بأن يذرف الشعب السعودي واليمني دموع الفرح قريبا وهم يشاهدون على الخنيزي يعانق نوري حبتور مهنئا بعودة ابنه وبينهما يقف نسيم وموسى.