آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

معتزل للإنسان فينا

علي العرفج *

كالأحداث الكبرى التي مرت بالبشرية سابقا ها هو فايروس كورونا COVID - 19 يعيد الكرة ليضع البشر أمام اختبار حقيقي ومفصلي وحساس.. فبعد أن ألغى أحكام الحدود المصطنعة وتمدد على أجساد الضعفاء والأقوياء وجب على الإنسان فينا أن يستيقظ ليراجع حساباته وتفاصيل يومياته التي فقدها أو كاد، وكل نظرياته..

في زخم الحدث العالمي تكون ذاتك أمام مسارين يتباعدان جدا ثم لا يتقاطعان إلا فيك.. أولهما حراك العالم حول الفايروس الذي لا يرى وثانيهما جغرافيتك الصغرى «بيتك» التي تعيد تشكيلك أكثر مما تعيد تموضعك فيها..

في امتداد العالم المتسع يتصارع كل العالم حول إنسانية الفعل وتوحيد المشاعر والقلوب ضد كورونا وحول شهوانية رأس المال الذي يتحين الفرص بل يصنعها للانفراد بالترياق الذي يحرر الناس من المرض لكنه في نفس الوقت يعتقل قيم الإنسان بكل فضائحية ووقاحة وغدر..

اما في داخل البيت فتستعيد ما قد تخطفه الشارع والمجتمع من روحك وعينيك ووجدانك لتعيد تشكيل رؤاك وتختبر قدراتك على الصمود قبالة ذروة انفعالك مع الآخر بلا حدود ولا تحفظات لصالح أن تلتقط أنفاسك وتعيد النظر إلى كل ما انجزته على معيار العزلة وإسقاطاتها الجديدة التي مازلتَ تكتشف المزيد من تجلياتها..

مابين كتاب تركته في منتصف المسافة.. إلى شيء ما نسيته على رف قلبك قد عاود طرق بابك من جديد.. إلى ما تكتشفه في عيون رعيتك الصغرى من اقتراب وحب وشقاوة وسذاجة.. إلى كثير من تفاصيل الجدران والزوايا التي تريد منك بعض اهتمام..

أو إذا كنت من عاشقي التراب ستعيد عزف مقطوعتك المفضلة القديمة حين تغازل على سعفات نخلاتك نساجاً عاد لتوه من الموسم الفائت ليستانف في معتزلك تعليق بيته على دالية التوت..

أو قطة رأيت في حركتها ما يريب ثم سرعان ما يتكشف لك انها تعد بعد فصل ببضعة هررة في بطنها ستهبها حديقتك وأطفالك الذين طاروا فرحا بالآتين الجدد..

كوفيد 19 هل تمتلك عصا سحرية لتفعل كل هذا الذي فعلت؟ أم انك حقا متناه في صغرك هذا الذي أرعب الإنسان من أقصاه إلى أقصاه؟

في معتزلك الجبري يجب أن تضع أمام عينيك نظارة جديدة كاشفة للمخفي في مشهدية الحدث وتداعياته.. وسترى العالم وذاتك كما رآه صوفي غريب تجلى له الله ذات تسامٍ..

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد راشد
[ الرياض ]: 21 / 3 / 2020م - 4:17 م
بوركت. خيال خصب وقلم جميل جدا، نسأل لنا ولكم العافية
معلم في وزارة التعليم الأحساء