آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

سر الحياة

عبد الرزاق الكوي

منظمة الأمم المتحدة تحتفل في 22 من مارس من كل عام باليوم العالمي للمياه حيث تم اقتراح هذا اليوم عام 1992م في مدينة دير دي جانيرو في البرازيل، وأقيم هذا اليوم منذ عام 1993 م، من أجل التوعية بأهمية المحافظة على المياه وكذلك السعي الى إيجاد مصادر مياه جديدة، وتوصيل المياه الصالحة للجميع بطريقة مأمونة وصالحة للشرب وحث الناس على المحافظة على هذه الثروة القليلة، حيث لا يتوفر لحوالي 2,2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم خدمات مياه الشرب التي تدار بأمان، ولا يتوفر لنحو 4,2 مليار شخص خدمات الصرف الصحي، ويفتقر 3 مليارات شخص إلى مرافق غسل اليدين الأساسية، ويموت سنويا أكثرمن 700 ألف طفل بسبب أمراض الإسهال، ويجمع 159 مليون شخص مياه شربهم من مصادر المياه السطحية مثل البرك والمجاري

فالمياه تغطي %70 من الكرة الأرضية لكن %3 فقط من كل ذلك هو المتاح للاستخدام بسهولة ويسر، وفي العالم العربي اكثر من 83 مليون شخصا لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب وأكثر 96 مليون شخصا بحاجة إلى الوصول إلى خدمات الصرف الصحي، حيث تواجه العديد من الدول مشكلة الجفاف على النطاق العالمي بشكل عام والعربي بشكل خاص، وبسبب التغيير المناخي وارتفاع درجة حرارة الارض وشح الأمطار والزيادة السكانية وتدهور البيئة، فالعالم العربي من المناطق الفقيرة في مصادر المياه العذبة، وعدم توفر ماء صالح للشرب، فهذه المشكلة تعتبر ازمة خطيرة تضرب بأطنابها في جميع ربوع المعمورة، وتعتبر من الأزمات المسكوت عنها، مما تتزايد عواقبها بانعدام الامن الغدائي ونزاعات وهجرة وعدم استقرار مما تؤثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والطاقة وإنتاج الغذاء وبقاء الكائنات الحية وتصل الى الخلافات بين الدول مما تؤدي الى خصومات وتهديد باشعال الحرب، فاليوم شح المياه اصبح مسألة دولية تمتد عبر القارات بسبب نقص الكبير والطلب المتزايد، حيث يشاهد على النطاق الفردي على المستوى العالمي الملايين من الناس يعيشون بدون إمدادات آمنة وصحية من الماء، ويقضون ساعات طويلة من الجهد والتعب والمشقة والتزاحم والاقتتال بسبب النقص الشديد في المياه والوصول اليه في رحلات أو طوابير أطفال ونساء وكبار في السن ومرضى للوصول إلى مصادر بعيدة للمياه تبقيهم على قيد الحياة، هذه الفئة من المجتمع هي اكثر تضررا من مشكلة شح المياه حيث يعيشون أوضاع مزرية وغير إنسانية في عالم يدعي التحضر والتطور وتحقيق العدالة وتلبية حقوق الانسان، وصل حال العالم المتحضر باستخدام المياه سلاح كورقة ضغط وتأثير على مواقف ومصالح سياسية.

قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ

التاريخ الاسلامي يبين لنا موقف من مواقف اهل البيت يضرب فيه مثلا يحتدى في رفض استخدام الماء في قضايا إنسانية او حصار او تضييق او حرب، ومنع ضرورة من ضرورات الحياة انعم بها الله تعالى وهي من الاخلاق التي جاء بها ودعى اليها الاسلام، هذه الحق في استخدام هذه النعمة لا نراه ماثلا في هذا الزمن، فالعالم اليوم يئن من الحرمان من الماء في عصر التحضر والتقدم والمواثيق الدولية، فالإسلام كفل هذا الحق، وكانت السقاية قبل الرسالة وبعدها هي عمل الأبرار ودأب ذوي المكانات والمروءات، ولها اجر عظيم وثواب جزيل.

هذا الموقف العظيم وقفه الامام علي في معركة صفين، بالتعامل باخلاق القران الكريم وهو القران الناطق، في موقف انساني لا يقفه الا صاحب نفس شريفة، حيث منع هو اصحابه من الوصول لنهر الفرات حيث استولى الجيش المعادي على النهر ومنع الامام واصحابه من الماء في موقف يدل على شخصية اعداء الامام وما يحملونه في أنفسهم المريضة، ان يحرموا جملة من الصحابة من ورود الماء، فاستنهض الامام علي اصحابه للوصول الى نهر الفرات حيث استطاعوا أن يجلوا الجيش المعادي عن الماء، وان تكون لهم السيطرة، وبموقف انساني نبيل لم يمنع الامام علي عنهم وسمح لهم بورود الماء،

الموقف الاخر يبن اصحاب الحق واصحاب الباطل، عندما التقى الامام الحسين في طريقه الى كربلاء الحر بن يزيد الرياحي واصحابه وكان الحر خرج من اجل حرب الامام الحسين ، في جيش بلغ عددهم ألف فارس وركبوا على ألف فرس، وكانت وجوههم مخطوفة من شدة العطش، فقال سيد الانسانية الامام الحسين لأصحابه: اسقوا القوم واروهم من الماء، وارشفوا الخيل ترشيفا، لم يأمر بسقي الخيل فقط بل بترشيفها اي رش الماء عليها لان الخيل كما قيل لا ترتوي إلا إذا فعل لها ذلك، من موقف ليس غريب على خلق اهل البيت وهم وسط صحراء قاحلة يندر فيها الماء.

لكن عندما استولى الجيش على نهر الفرات حرم الامام الحسين وأهل بيته واصحابه ثلاثة ايام من الماء، واستشهد فيها الامام الحسين وهو دابل الشفاه وأطفاله عطشى وهم قرب نهر الفرات، في فعل إجرامي وبعيد عن الخلق الانسانية في يوم اسود من تاريخ البشرية متبجحين بالقول «يا حسين هذا الماء تشرب منه السباع والطيور وانت لا تذوقه»، حين يقول الرسول صلى الله عليه واله «حسن مني وانا من حسين» لم يعرفوا اعداء الانسانية أن عطش الامام الحسين هو عطش الرسول صلى الله عليه واله، وماذا لو شاهد الرسول صلى الله عليه واله سبطه في كربلاء يحرم من قطرة ماء، وهو منقد البشرية من الضلال للهداية ومن الظلام الى النور فكان جزاءه في سبطه يستشهد ظمأن يقول انا عطشان وحق جدي رسول الله.

فاتباع اهل البيت من جملة المعالم المرتبطة بتفكيرهم ويأخذ حيز كبير في وجدانهم، هذه الجريمة النكراء والألم المستمر في هذه القضية، منذ فجعت الانسانية بدبح سبط الرسول صلى الله عليه واله مظلوما، التي ترتبط بعالمنا المعاصر والأزمة المتمثلة في ما تبثه وسائل الاعلام المرئية والوكالات العالمية أطفال صرعى وشيوخ عطش ونساء ثكلى محرومة من الماء وموت الملايين من البشر ظلما.

أن المهجة التي اصابها العطش في ارض كربلاء هي مهجة رسول الله صلى الله عليه واله، فهذه الذكرى الأليمة الذي نعيشها كل يوم مع شرب ماء تستنهض في كل صاحب قلب رحيم ان يأخد العبرة والعبرات وموقف ضد الانتهاك وقسوة الانسان ضد أخيه في الانسانية.

فالماء ورد ذكره في القران الكريم في كثير من الآيات وهو مورد طبيعي محدود يعتبر نعمة من الله سخره لجميع خلقه تهب الحياة يعد عنصرا أساسياً للتمتع بحياة كريمة وعامل حيويا في رخاء وتقدم البشرية، لا يمكن الاستغناء عنه، في الحياة اليومية وتستخدم في مجموعة واسعة من الأنشطة فلا حياة تسير بدون ماء ليس فقط للإنسان بل لسائر الأحياء من انسان وحيوان ونبات وبه تستمر الحياة، حيث يشكل الماء ما نسبته 60 % من جسم الانسان حيث ان الجسم يستخدم الماء للمساعدة في تنظيم درجة حرارة الجسم والحفاظ على الوظائف الاخرى للجسم، يقال عن الماء «أهون موجود وأعز مفقود».

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ

المملكة كباقي الكثير من الدول تعاني من نقص المياه، حيث تقع في نطاق الأراضي الجافة حيث اكبر مساحتها صحاراوية قاحلة، ولا وجود الى انهار أو بحيرات ولا تشترك مع دول اخرى في بحيرات أو انهار مثل بعض الدول وعدم وجود أمطار كافية او عدم الاستفادة من الأمطار القليلة ومناخها صحراوي وهذا يؤثر بلا شك ويحتاج الى رؤية ثاقبه في التعامل مع المياه، فالموارد الجوفية يتم استنفادها بمعدل سريع للغاية، وتنفق الدولة مليارات الدولارات سنويا لبناء وتشغيل وإصلاح محطات تحلية المياه، حيث تعتبر المملكة أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، يوجد 30 محطة تحلية على الساحل الشرقي والغربي، تغطي %53 من حاجات المملكة من المياه المحلاة، ويزيد الطلب سنويا، وتحلية مياه البحر عالية التكلفة والاعتماد عليها ليس بذاك الأمان فحدوث اي تلوث لمياه البحر سيجعل تحليته غير ممكنة، ومحطات التحلية ترفع ملوحة البحر القريبة من المحطات مما يؤدي الى أضرار بالبيئة وإلى هروب الأسماك.

هذه الحالة الخطرة ينبغي على أفراد المجتمع ان يتخد قرارا شخصيا بالمحافظة على هذه النعمة والتوقف عن إهدارها في الاستعمال اليومي. فالجميع محاسب شرعا وأمين على هذه النعمة ومحاسب على إهدارها فهي ملكا عام لجيل الحالي والأجيال القادمة فالاستخدام الخاطئ يفاقم المشكلة فمعدل استخدام الفرد اليومي في المملكة يعتبر الثالث عالميا، فالاستخدام بهذا المعدل هو ما يرفع نسبة الشح في الماء ويدل على عدم وعي بين الناس وعن المعاناة التي يسببها انقطاع يوما واحد عن الماء، فلزام على كل فرد ان يفكر بحكمة وهو يتعامل في يومه مع النعمة المهمة للجميع، فالترشيد واجب ديني ووطني وانساني بات يصل الى مرحلة الخطورة لا احد يستطيع التكهن بأبعادها بسبب الاستنزاف الغير مسؤول، فالمملكة اليوم في تزايد سكاني وتوسع المدن والمساحات الزراعية التي تستنزف الكثير من المياه يزيد من تفاقم المشكلة وزيادة حدتها، فليس من العقول الاستمرار على هذه الحالة ان يستخدم ويستهلك فرد في يومه في المملكة ما يعادل استخدام فرد في بلد اخر لمدة شهر، ويزيد على استخدام الفرد في اوربا مع توفر المياه لديهم،

قال رسول الله صلى الله عليه واله:

«لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار».

كذلك على المجتمع بشكل عام سواء من يستخدم المياه في الزراعة مع مردودها الاقتصادي القليل وبرك السباحة الواسعة والحدائق الخاصة الكبيرة والاستهلاك المنزلي والصناعي والحيواني واعلافها الذي يكلف من المياه الشيء الكثير مع مردوده الاقتصادي القليل الى وقفة شجاعة ووعي مسؤول وقرار صائب ان نعمل بما يرضي الله بالمحافظة على هذه النعمة من الزوال، فبدون الماء لا حضارة ولا تقدم ولا ازدهار ولا حياة، فالأمم المتحضرة السابقة كانت أكثرها المتمتعة والقريبة من نعمة الماء فازدهرت اقتصاديا واجتماعياً، فلنضع هذه المشكلة امام الأعين والجميع عاش تجربة انقطاع الماء لساعات او بعض الأيام وماذا كان وضع المنزل وكيف كنا نستعمل قطرات الماء ونحافظ عليها، ولكن في وقت توفره ننسى كل ذلك ونعود ونسرف من جديد.