آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 9:59 م

بكاء الشوارع والمدن

كان أجمل الأصوات مساء يوم 28 آذار/مارس صوت حبات المطر تحاكي بكاء السماء على ما أصاب اهل الأرض من عناء وتعب فكان صوتها أجمل صوت. أملنا ألا تكون الرشفةَ الأخيرة من المطر قبل حلول فصل الصيف.

هل لا زلتم تذكرون شوارع وأزقة حارتكم التي كبرتم فيها؟ كان منها شارع المدرسة والدكان، والأزقة التي لَعبتم وتَعاركتم فيها. هي أماكن لا تترككم وإن انتقلتم وتباعدتم عنها. لابد أن يأتي ما يذكركم بها!

في هذه الفترة نزفت كثيرٌ من المدن من سعادتها وزخم حياتها فكأنَّ بعضها يبكي على أطلالِ بعض! اطمئنوا سوف تعود سريعاً كما كانت وأجمل. حضارة المدن والشوارع هي نتاجٌ بشري يحكي في كثيرٍ من جوانبه مشاعرَ وأحاسيس وثقافة أناسها الذين بنوها وعاشوا فوقها. تتوثق العلاقة بين الناس وبين الأمكنة التي يعيشونَ فيها وتتعمق، فلا يدور في خلدهم أنها تخلو منهم أو تتغير سلوكيات ومظاهر الحياة فيها. وفجأة، تشكو الشوارع والمدن، فلا أحد يستطيع أن يتواجدَ فيها!

لا تخلو عاصمة أو مدينة أو قرية في العالم من شوارع حفرت عميقاً في التاريخ، يرتادها السواح في شهيات مختلفة، من الأكل والمناظر والتبضع والمقاهي وقراءة الكتب، تشكل معلماً ومقصداً تتداخل فيه الثقافة وتمتزج بالسياحة والاقتصاد. شوارع وطرقات متى ما مشيت بين أعطافها شممتَ رائحةَ الأكل والقهوة والمشروبات ومنتجات العصر، لا يخشى من يمر فيها سوى أن يسرق منه جمالُ التاريخ القديم هشاشةَ الحداثة والتقدم. في هذه الفترة قل من يقصدها، ومن يسير فوقها يحتمي من شم عبق روائحها ويبتعد عن ملامسةِ الجمال فيها خوفاً من عدوى المرض!

في كل المدن العربية معالم جذب فريدة تعبر عن ثقافتها وإرثها الحضاري، تعبر عن تقاليدها الأصيلة وما طرأ عليه من حداثة التطور العصري. يكفيك أن تأخذ نظرةً سريعة لتكتشف أن هناك، شرقاً وغرباً، معالم حضارية في كل المدن العربية أصبحت أصيلة بكل تفاصيلها وروح شعوبها التي تمشي فوقها. وربما لا تخلو ذاكرة أي منا من التجول في أحدِ الشوارع في وطننا أو في خارجه من ذكريات لحظات المساومة في شراءِ سلعة أو تصفح أوراق كتاب أو النظر في لوحة من متاحف المدينة في ناصية الشارع، أو فقط التمتع بمناظر الطريق والعابرين فيه.

حتماً سنعود لتلك الشوارع نضفي عليها الحياة، ونعود نمشي فوقها ويكرمها من يصمم المدن ليخلق منها مساحات تأخذ حيزها من ذاكرتنا، خضراء منظمة ونظيفة، تساهم بكل فخر في السياحة والاقتصاد والصحة وراحة من يمشي فوقها. وتعود تملأ ذاكرة صغارنا كما صنعت بنا! لابد أن تعود الشوارع والمدن في كل مكان ويعود السائح والساكن ويعود زخم الحياة من جديد، فهكذا هي الحياة يميتها من يحييها ويحييها من يميتها وليس غيره!

مستشار أعلى هندسة بترول