آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

كورونا.. التاريخ

محمد أحمد التاروتي *

وضع فيروس كورونا نفسه رقما صعبا ومؤثرا في صفحات التاريخ، فقد استطاع اعلان حالة الطوارئ القصوى في مختلف انحاء العالم، اذ لم يشهد التاريخ الحديث حالة استنفار شاملة على كوكب الأرض، كما يحدث في الحقبة الزمنية الراهنة، مما يجعله - الفيروس - حالة خاصة، يصعب تجاوزها على الاطلاق، مما حاول البعض جعله على الهوامش في ذاكرة التاريخ، فالاقلام بدأت تسطر الحروف بشكل يومي لرصد الوقائع في مختلف المجالات، بحيث سيطر المرض على العقول ووسائل الاعلام العالمية، نظرا لقدرته الفائقة في بث الرعب والخوف في النفوس، الامر الذي دفع الجميع للمكوث في المنازل، فضلا عن تقطيع أواصر العلاقات الاجتماعية، جراء المخاوف من انتقال العدوى من شخص لاخر.

التاريخ سيكون شاهدا على التفاصيل الدقيقة، لتداعيات انتشار مرض كورونا، فالدول المتقدمة فشلت في إيقاف تفشي المرض، وبقيت عاجزة عن انقاذ مئات الأرواح من الموت، نظرا لافتقارها للامصال القادرة على إيقاف تدهور صحة المرضى، كما ان الدول النامية تواجه المصير نفسه، جراء افتقارها للموارد المالية لمواجهة تفشي المرض لدى شعوبها، الامر الذي يكشف قدرة الفيروس على الضرب بقوة، في جميع مفاصل الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية، والنفسية، وكذلك إعادة ترتيب التحالفات السياسية.

وجود وسائل اعلام متقدمة عنصر أساسي، في رصد تطور الفيروس في مختلف قارات العالم، مما يشكل كنزا كبيرا لملأ صفحات التاريخ في العقود القادمة، خصوصا وان جميع التفاصيل باتت محفوظة بشكل دقيق، مما يجعل عملية التلاعب في الاحداث من الصعوبة بمكان، وبالتالي فان كورونا احدث هزة عنيفة في وجدان الضمير الإنساني، نتيجة سخريته بمستوى التقدم العلمي، الذي تتباهى به العقول البشرية، في العديد من البلدان العالمية، فالتقدم الصناعي والتطور التقني فشل في وقف تفشي الفيروس، لدى غالبية شعوب الأرض، خلال فترة وجيزة للغاية، ويصعب تصورها على الاطلاق.

فيروس كورونا يمثل التحدي الحقيقي، لمستوى التقدم العلمي والتطور المعرفي، في المجتمع البشري، فالضحايا الكثر الذين يتساقطون يوميا في مختلف انحاء العالم، دلالة واضحة على العجز البشري امام عدو ”صغير“، لا يرى بالعين المجردة، وبالتالي فان التاريخ سيكون شاهدا على مستوى تصاغر العقل البشري، في وضع نهاية سريعة للفيروس القاتل، لاسيما وان كافة مراكز البحوث العلمية تسابق الزمن، للسيطرة على الانتشار الرهيب لكورونا، في مختلف المجتمعات الإنسانية، بمعنى اخر، فان كلمة التاريخ ستكشف ضعف الانسان امام ”شبح“ صغير، بات قادرا على اختراق مختلف الحواجز المادية في لمحة بصر، نظرا لعدم القدرة على صده او الإمساك به بسهولة.

التاريخ البشري الحديث لن ينسى هذه التجربة غير المسبوقة، خصوصا وان الفيروس استطاع تدمير الكثير من المفاصل الاقتصادية، واغلاق الأسواق العالمية، بطريقة غير معهودة، فالعملية لم تتطلب سوى القضاء على اعداد كبيرة من الضحايا، لاسقاط الكبرياء البشري والاستعلاء، مما جعل الشعوب على اختلافها، تستسلم بشكل طوعي لارادة ”الفيروس“، والالتزام بالإجراءات الاحترازية، تفاديا للوقوع فريسة عدو مجهول، ويصعب مقاومته بطريقة مباشرة.

عملية رصد نجاح فيروس كورونا، في وضع اسمه في صفحات التاريخ، بكل ”كبرياء“ ستكون ”تحصيل حاصل“، فالجميع يعترف بعجز البشرية في السيطرة، على الوضع بطريقة بسهولة، مما يجعله رقما صعبا وقادرا على احتلال مساحات واسعة، من صفحات التاريخ في العقود القادمة، خصوصا وان رصد تداعيات الانتقال السهل من لمنطقة لاخرى مستمرة، وتجري بشكل يومي، وبالتالي فان التاريخ سيكون حافلا بالكثير من الاحداث المأسوية، ذات العلاقة ب ”الانتصارات“ الكبيرة، التي حققها على البشرية في مختلف بقاع العالم.

التاريخ يسجله المنتصر في العادة، وبالتالي فان البطولات الكبيرة التي حققها فيروس كورونا خلال فترة وجيزة على ”كبرياء“ و”تقدم“ البشرية، ستجعله قادرا على كتابة التاريخ بالطريقة التي تنسجم مع توجهاتها واغراضه في العقود القادمة، انها قدرة ”المنتصر“ على فرض ارادته على الضعيف على مر العصور.

كاتب صحفي