آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

المسمار الصدئ

لكثرة ما يصلني في هذه الفترة من توصيفاتٍ وحلول لمختلف جوانب الجائحة تذكرت طرفةً حصلت لي منذ عشرات السنين.

قبل 30 سنة تقريباً توجهت في رحلة رافقني فيها مهندس آخر لبرج حفر آبار في المنطقة الجنوبية وكان الغرض من الرحلة مراقبة تسجيل بيانات في بئرِ نفط جديدة، حيث كانت الرحلة سوف تستغرق يوماً أو يومين تتخللها ساعات من الراحة والانتظار.

كانت عملية تسجيل البيانات تستوجب قبل البدء فيها إعدادَ البئر وتدوير الطين فيه عدة ساعات، ولما كان الجو حارا جدا توجهنا لغرفة العمال الذين كانوا تقريبا كلهم من المملكة. تجمعنا والعمال بين من يشرب القهوة ومن يشرب الشاى وبين من هو مستلقٍ يستجير من رمضاء الصيف الحارق، فقال صاحبي: يا جماعة الخير عندي مشكلة. توقف جميعُ العمال عن شرب الشاي والقهوة، فواصل زميلي شرح المعضلة بنبرة صوت جاد: عندي مسمار ”برغي“ صدئ لا أستطيع استخراجه!

استسخف الجميعُ المعضلة لكنهم لم يمتنعوا من تقديم الحلول. قال الأول: بسيطة، رش عليه ما يزيل الصدأ. قال صاحبي لا تنفع فقد جربتها مرات ولم أنجح. قال الثاني: حاول أن تطرق على المسمار بالمطرقة ثم دوره. أجاب صاحبي: لا، لا تنفع فقد جربتها عدة مرات. عجت الغرفة الصغيرة بالأصوات والحلول المتطايرة فقال الثالث: احفر حول المسمار من الجوانب قليلا ثم استخرجه. أجاب صاحبي: لا أستطيع ولن تنجح الفكرة.

انتهت الساعات ولم يفلح أحد من الحاضرين، بما فيهم أنا، في تقديم حل يخرج المسمار، وعندما خرجنا سألت صاحبي: بالله عليك! ما قصة هذا المسمار المستعصي؟ قال صاحبي بكل برود: وهل صدقتها؟ لم يكن عندي مسمار ولاهم يحزنون. لكنني رأيت الجو حارا والعمال متعبون فأحببت أن أشغلهم.

الحكمة هي: تأكد من وجود مشكلة قبل أن تقترح حلولا ابداعية لا داعي لها. في هذه الأزمة كثرت المقترحات والحلول ممن يعرف وممن لا يعرف في تقريبا كل نواحي الحياة من الطب والوقاية والاقتصاد ونبوءة المستقبل. فإن رغبت في الحلول تأكد من مصداقيتها، فلن تختفي رغبة الناس في تقديم الحلول لما يعتبرونه مشكلة. هي بكل بساطة رغبة قديمة مختزلة في المثل الشعبي ”اربط صبعك الكل ينعت لك دواء“.

مستشار أعلى هندسة بترول