آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

كورونا.. الاسرة

محمد أحمد التاروتي *

حضن الاسرة الدافئ بات ركنا أساسيا، ضمن العلاجات الفعالة لمواجهة فيروس كورونا، باعتباره الوسيلة الأكثر قدرة على تجنب انتقال العدوى، مما جعل الدول تفرض حصارا شديدا على حرية التحرك على الجميع، الامر الذي احدث تغييرات جذرية في البرنامج اليومي لمختلف الشرائح الاجتماعية، نظرا لتعطل كافة مفاصل الحياة الاجتماعية، جراء الإيقاف الاجباري على للنشاط الاقتصادي، وتجميد العمل في القطاعات الاهلية والخاصة.

عملية الاستغلال الأمثل لفترة البقاء في المنازل، تختلف باختلاف الاليات المتبعة، فهناك فئات قادرة على تحويل ”الرتابة“ الى نشاط وحيوية على مدار الساعة، مما يسهم في التوظيف الأمثل لفترة البقاء في المنازل مدة الحظر، فيما تفتقر بعض الفئات الاليات المناسبة للتعامل الحسن مع مبادرة ”خليك بالبيت“، الامر الذي ينعكس على طبيعة الاستفادة من ”منع التحول“ بالطريقة المثلى، انطلاقا من المقولة ”كأنك يا زيد ما غزيت“.

التوظيف الأمثل للبقاء في المنازل، والبقاء مع الاسرة لفترة طويلة، تظهر بشكل واضح في البرنامج اليومي، فهناك شرائح تتعامل مع الوقت بطريقة ”خليها على ربك“ و”خلي القرعة ترعى“، وبالتالي فانها غير معنية بالتعاطي الإيجابي، مع فرصة المكوث في المنزل خلال ازمة كورونا، فيما البعض الاخر يحاول الاستثمار المناسب مع هذه الفرصة غير المتكررة، مما يدفعها لوضع برنامج قادر على الاستفادة بطريقة مختلفة للغاية.

مشاغل الحياة اليومية تجعل اجتماع العائلة لساعات طويلة خلال السنة، عملية صعبة وأحيانا غير ممكنة، لاسيما وان ارباب العوائل يحاولون تأمين لقمة العيش، مما يستدعي قضاء ساعات طويلة خارج المنازل، الامر الذي ينعكس على فترة البقاء في المنازل لفترة طويلة، كما ان عملية الجلوس على مائدة الطعام للوجبات الثلاثة، ليست متاحة في الغالب، وبالتالي فان الإجراءات الاحترازية جعلت عملية الالتقاء حول مائدة الطعام عملية اعتيادية، بمعنى اخر، فان ازمة كورونا استطاعت فرض برنامجا صارما على الجميع، من خلال الالتقاء بشكل متكرر في أوقات الوجبات الرئيسية.

المرء قادر على تسخير فترة البقاء بجوار الاسرة الى عنصر فاعل، بواسطة الكثير من البرامج والمبادرات سواء كانت على الصعيد الذاتي او الاجتماعي، فالعملية مرتبطة بالارادة والرغبة في الاستفادة من الوقت بالطريقة المثلى، وبالتالي فان الرهان على الانسان في تحديد المسار المناسب وفقا لامكانيات، وكذلك تبعا لنوعية الاستفادة المطلوبة، فهناك العديد من الاعمال القادرة تعزيز الروابط الاسرية بشكل غير مسبوق، بحيث تظهر على اشكال مختلفة ومبادرات متعددة، اذ من الصعب تحديد اليات محددة او وضع برامج ”معلبة“، نظرا لاختلاف التوجهات وتعدد الاتجاهات، الامر الذي يستدعي الاستفادة من تلك الرغبات بطريقة مختلفة، من خلال استغلال فترة كورونا بشكل إيجابي، بعيدا عن الاحباطات او الأصوات الشاذة، التي تصدرها بعض الفئات ذات النظرة السلبية.

فيروس كورونا اصبح في الفترة الحالية جزء من ايقاعات الحياة اليومية، نتيجة الإجراءات الاحتياطية المتخذة في جميع المجالات، بحيث لم تقتصر تلك الإجراءات على جانب دون اخر، فقد شملت الجميع دون استثناء، خصوصا وان العملية تستهدف الحفاظ على الصحة العامة وسلامة الانسان، وبالتالي فان كورونا احدث حالة خاصة يصعب تصورها خلال الفترة الماضية، فالخيال الإنساني غير قادر على وضع سيناريو، لاجبار البشر لساعات طويلة في المنازل خلال فترة زمنية، مما يعني ان الفيروس القاتل شكل كابوسا مرعبا يخيم على الجميع، نظرا لقدرته على الانتشار الكبير في غضون فترة قياسية، فضلا عن القدرة الفائقة على الفتك بالمرضى من ذوي المناعة الضعيفة.

الاسرة بما تحمله من معاني كثيرة، تبقى الكيان الاجتماعي القادر على توفير الدفء لدى المرء، منذ اليوم الأول لولادته حتى اخر يوم من حياته، مما يستدعي التحرك الجاد لتدعيم قواعد هذا الكيان بطريقة مثالية، لاسيما وان الأرض الصلبة للاسرة تسهم في الانطلاق بقوة في الفضاء الاجتماعي الخارجي، نظرا لامتلاك الأدوات المناسبة لمواجهة مصاعب الحياة، وبالتالي فان محاولة رص الصف الاسري في زمن كورونا، يضاف على الجهود المبذولة على الدوام في مختلف الأوقات.

كاتب صحفي