آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

كورونا.. المفردة

محمد أحمد التاروتي *

باتت كورونا جامعة في قواميس كافة اللغات العالمية، فهذه المفردة لا تفارق جميع الالسن على اختلافها، فضلا عن تصدرها جميع النشرات الإخبارية، منذ بروزها على السطح قبل نهاية العام الماضي، مما يجعلها اكثر مفردة يتم تداولها منذ عدة اشهر، خصوصا وان ”كورونا“ اصبح شبحا قاتلا تخشاه الدول، بالقدر الذي تتوخاه الشعوب على اختلافها، بحيث باتت المفردة مخيفة للغني قبل الفقير، وبالتالي فان الأموال الطائلة لم تعد قادرة على وقف زحف ”الفيروس“ في الاجسام، الامر الذي يفرض انتهاج الاليات نفسها بين الفقير والغني.

كورونا كلمة لم تكن متداولة على نطاق واسع كما يجري حاليا، فالفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة، وضع على إيقاعات الحياة الاجتماعية، عبر التشارك في البرامج اليومي، فجميع التحركات اليومية مرتبطة بتفادي الإصابة بالفيروس، مما دفع الشعوب لتغيير البرامج اليومية، والعمل على وضع برامج جديدة، للتعامل مع الواقع الجديد، حيث أصبحت الحياة الانعزالية امرا مطلوبا حاليا، بخلاف البرامج السابقة ذات الطابع الاجتماعي مع مختلف الشرائح، لاسيما وان الاختلاط يشكل خطورة كبرى، في الإصابة بمرض كورونا.

مفردة كورونا دخلت الثقافة الشعبية في مختلف الدول العالمية، نظرا لسطوتها الكبيرة على الاجسام، وانعدام القدرة على إيجاد الامصال، القادرة على القضاء على الفيروس، فهذه الكلمة أصبحت معروفة لدى الصغير والكبير بشكل واضح، خصوصا في ظل التداعيات المأسوية التي تركتها لدى الشعوب منذ انتشارها، وبالتالي فان محاولات مسح ”كورونا“ من الذاكرة الشعبية، ليست سهلة على الاطلاق، نظرا لوجود ذكريات مأسوية عاشتها العديد من الشعوب، نتيجة فقدان الاحبة وعدم القدرة على مقاومة الفيروس، بحيث تجلى في مئات التوابيت التي تخرج يوميا، من المشافي باتجاه المقابر.

كلمة كورونا ستبقى محفورة في ذاكرة الشعوب، وكذلك ستكون حاضرة بقوة خلال الفترة القليلة القادمة، نظرا للرعب الشديد الذي احدثته على المستوى العالمي، مما يجعلها من اكثر المفردات شياعها في الحياة اليومية، فالشعوب على اختلافها لا يوجد لديها ”قضية“، سوى تناقل اخبار هذا الفيروس، حيث يتجلى ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعج بالاخبار وكذلك بالقصص، فضلا عن النكت، مما يؤسس لثقافة اجتماعية جديدة، مستندة على تداعيات فيروس كورونا.

كورونا احدث ثقافة جديدة تتمثل في المساواة الكاملة بين الغني والفقير، فكما ان الغني عاجز عن الخروج بعلاج لمقاومة الإصابة بفيروس كورونا، فان الفقير يقف حائرا امام انتقال المرض في جسده، وبالتالي فان الفيروس شكل حالة فريدة على المستوى العالمي، فالجميع يشترك في المصيبة، ويتقاسم الخوف والقلق من التعرض للمرض، لاسيما وان الجميع يشاهد انتقال الفيروس، بين البلدان العالمية بطريقة عجيبة، مما يجعله اكثر قدرة على اختراق جميع الحواجز المادية والمعنوية، التي تفرضها الحكومات للتعاطي مع المرض.

دلالة مفردة كورونا لم تعد خافية على الجميع، فهي تحمل المرض الخطير الذي يهرب منه الجميع، وبالتالي فان كورونا كلمة ليست اعتيادية على الاطلاق، فالتداعيات المترتبة على الكلمة تركت اثرا ثقافيا عميقا في الوجدان الإنساني، بمعنى اخر، فان التعامل مع مفردة كورونا لا يقارن مع الكثير من المفردات المتداولة على الدوام، فالكثير من الكلمات تعكس الفرح والبهجة والسرور في النفوس، مما يترك انشراحا كبيرا في القلوب بمجرد ذكرها، فيما كورونا يحدث انقباضا في النفس بمجرد تداولها، حيث تجلب معها شريطا طويلا من المآسي على البشرية، مما يجعلها من اكثر المفردات حضورا في الذاكرة الشعبية، فكما سجلت ”الملاريا“ و”الانفلونزا الاسبانية“ حضورا، في الذاكرة البشرية خلال القرن الماضية، فان ”كورونا“ ستكون حاضرة بقوة في الذاكرة الشعبية خلال القرن الحالي.

تبقى مفردة ”كورونا“ قادرة على التفاعل الكبير في الثقافة الاجتماعية، فمهما حاولت البشرية مسحها من القاموس الشعبي، فان تلك المحاولات لن تنجح على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة، فالاجيال الحالية ستكون شاهدة على قنبلة ”فيروس كورونا“، في حصد الأرواح بشكل جماعي في الكثير من البلدان.

كاتب صحفي