آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

حصاد الحجر «2» الغفران

سوزان آل حمود *

خلق الله الإنسان وجعل له صورتين: صورة ظاهرة وهي الخَلق، وصورة باطنة وهيأ الخُلُق، وكما تفاوت الناس في صورة خَلقهم ما بين حسن وقبيح، وجميل ودميم، كذلك تفاوتت صورهم الباطنة المتمثلة في أخلاقهم تمام التفاوت أو أوسع.

حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، وأكثرها إعدادًا وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة بين الناس والاعتداد. ومهما حصَّل الإنسان من الفضائل والخصائص التي تؤهله كفاءته لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة. بيد أن جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضاء الباهر، فإذا ما تجردت عنه فقدت قيمتها الأصيلة، وغدت صورًا شوهاء تثير السأم والتذمر.

ولكن هناك سؤال: كيف نصل من خلال مكارم الاخلاق الى الغفران؟! وهل الغفران يشمل النفس الانسانية؟

للاجابة على ذلك لابد لنا من وقفة تأملية في معنى الغفران...

الغُفْرَان أو المَغْفِرَة: هو إسقاط العقوبة والمؤاخذة ولكنه يزيد عن الصفح بأن الغفران يوجب الثواب للمغفور له وثوابه بأن يستر أو يخفى ذنبه.

إن الغفران فضيلة لا يقوى عليها سوى كبار النفوس، لكنها فضيلة لا تدخل في سمات شخصية الإنسان بقدر ما تكون فلسفة في حياته يتبناها ويؤمن بها، قد تتغير في أيوقت وفي أي مرحلة من مراحل حياته كما كل أفكارنا ومبادئنا التي تتغير وتتبدل عندماتجبرنا تجاربنا الحياتية في أحيان كثيرة على تغيير طباعنا الجميلة بل ورمي خصالنا الإنسانية في سلة المهملات إلى غير رجعة.

ترى لماذا بعض من نحسن إليهم لا يعرفون الرد إلا... بالإساءة؟!

ولماذا تتحول القوة إلى ضعف في ميزان الحياة وقيمها؟!!

هم طبعا من يعرف الجواب..

إلا أن هذا الجواب لن يغير من حقيقة أن تكرار التسامح مع البعض ما هو إلا غباء اجتماعي في معظم الأحيان بالرغم من أنه كان يصنف في علم النفس «بالذكاء العاطفي» إذ لا يخفى على أحد أن قرار الغفران هو نوع من أنواع الذكاء العاطفي، كونه يشكل موقفا إيجابيا في التعاطي مع أذى الآخرين وحماقاتهم. كما أن فيروس التسامح الذي يصيبنا يقوي جهاز المناعة وعندما نكون في حالة حب وتسامح مع الآخرين نستطيع مقاومة المرض والإرهاق والاكتئاب كما أنه يعيد الأمن والاستقرار للعلاقات الإنسانية بين البشر.. لهذه الحقيقة العلمية جذور تاريخية ودينية.

إذن لماذا تعود علينا بعض الفضائل بأثر سلبي؟ ولماذا لا نقوى على التمسك بها؟!

لا شك أن الإنسان المتسامح هو ناتج تربية أساسها سلامة القلب وصفاء النية لكن هنا كمسافة دائما تفصلنا عن الغفران عندما يكون الأذى عميقا يصبح التسامح فوق طاقة البشر.. ترى كم من الإيمان والحب والعظمة نحتاج لكي نترفع عن وضاعة وبشاعة المسيئين لنا؟ وكم من التهور والاندفاع نحتاج اذا ما قررنا الانتقام وتلقين الآخر درسا في الحياة وأبجديتها.؟

لنا الاختيار وهو حقنا في أن نسامح أو لا نفعل.. نغفر أو لا نقبل..

كان الرسول ﷺ وصحبه وسلم يسأل ربه المغفرة في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، ولما سألته أمنا عائشة رضي الله عنها إن أدركتها ليلة القدر ما تقول فيها، قال: قولي: ”اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني“.

أليس الرسول الاعظم هو قدوتنا؟!

لن تصل الى السلام والراحة النفسية مالم تصل إلى درجة العفو.

قال الله تعالى ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴿آل عمران: 133.

اخيرًا: الحياة لا شيء سوى الحب.. والحب لا يولد إلا من الصفح والغفران.. اغفر وانس.