آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

كورونا.. الترف

محمد أحمد التاروتي *

يتعامل البعض مع جائحة كورونا كنوع من الترف وعدم اللامبالاة، من خلال التواجد اليومي في مراكز التسوق، والأسواق العامة، فيما تصل الجهات الحكومية الليل بالنهار، لوضع الخطط المناسبة، لتطويق الفيروس ضمن دائرة ضيقة، حيث يمثل القصور في ادراك الخطورة الحالية، بمثابة ”فيروس“ حقيقي في الضمير الاجتماعي، خصوصا وان الدولة تعول على الوعي الاجتماعي في اتخاذ الموقف المسؤول، تجاه التحدي الراهن المتمثل في انتشار وباء كورونا في البيئة الاجتماعية.

غياب الدافع الذاتي لانتهاج الطريق الصائب، يولد حالة من الإحباط، ويحدث الكثير من الارتدادات الاجتماعية، خصوصا وان اظهار الترف ”الثقافي“ يترك انعكاسات سلبية، لدى بعض الفئات الاجتماعية، مما يشجع على انتهاجات سلوكيات مماثلة، تارة تكون بطريقة واعية للخطوات المتخذة، ومعرفة مسبقة بالخطورة الكبيرة، لاظهار هذه الثقافة في أوقات الازمات، وتارة أخرى، تكون من باب التقليد الاعمى وغير الواعي، مما يحدث انشقاقا ثقافيا، في الجدار الاجتماعي بطريقة كبيرة، نظرا لوجود ممارسات ذات خطورة كبيرة في انتهاج الوسائل الاحترازية، للوقاية من انتقال عدوى كورونا.

الترف يتمثل في الكثير من الممارسات الحياتية، فهذه المفردة ليست مقتصرة على السلوك المالي، او التباهي الاجتماعي، خصوصا وان البعض يمارس الترف على الصعيد الشخصي، مما يجعل تداعياته محدودة، وليست قادرة على اختراق مساحة واسعة من النسيج الاجتماعية، بينما الترف الممارس في التعاطي مع جائحة كورونا، يتجاوز الاطار الشخصي ليصيب الكثير من الفئات الاجتماعية، الامر الذي يهدد حياة شريحة واسعة من البشر، لاسيما وان الفيروس قادر على الانتشار بصورة سريعة، في الأجساد الهزيلة منها والسليمة، بيد ان الفرق يكمن في القدرة على الصمود، امام الهجمات القاتلة للفيروس، في الجهاز التنفسي للإنسان.

ثقافة الترف المزروعة في عقول البعض، بحاجة الى إعادة برمجة بشكل كامل، لاسيما وان استمرار هذه الثقافة يصيب الدائرة الصغيرة بالعدوى، الامر الذي يوسع المساحة بشكل افقي وعمودي، مما يصيب الخطط الاحترازية بنوع من الشلل المؤقت او الدائم، وبالتالي فان مرض ”الترف“ يتطلب وقفة جادة، لاعادة الثقافة المسؤولة للواجهة مجددا، لاسيما وان الجميع امام اختبار حقيقي يتطلب الكلمة المسؤولة، والابتعاد عن المفردات ذات الأثر السلبي في الوجدان الإنساني، بمعنى اخر، فان ثقافة الفرد ليست دائما انعكاسا للبيئة الاجتماعية، ولكنها لا تخرج عن الواقع المعاش، خصوصا وان هناك قناعات ليست مرتبطة بالتفكير الذاتي، ولكنها تعبير عن القناعات الاجتماعية السائدة، سواء كانت تلك القناعات صغيرة ”الاسرة“، او كبيرة ”المجتمع“.

يصعب تفسير ثقافة ”الترف“ في المرحلة الحرجة، خصوصا وانها لا تمارس من فئات ذات مستوى تعليمي متواضع، ولكنها ترتكب بواسطة فئات ذات مستوى تعليمي عالي، مما يجعل عملية التفسير صعبة، وغير مفهومة في الغالب، خصوصا وان تجاهل الفئات ذات المستوى التعليمي المتواضع، للثقافة المسؤولة يمكن التغاضي عنه مؤقتا، فيما يصعب تمرير تلك الممارسات الصادرة من أصحاب المستوى التعليمي المرتفع، خصوصا وان الجميع يتطلع لدور ريادي ونخبوي، لهذه الفئة في تكريس الوعي الاجتماعي، نظرا لقدرتها على التأثير في المجتمع، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، لاسيما وان المجتمع يتعامل مع النخب الفكرية بطريقة مغايرة تماما، عن الأسلوب المتبع مع مختلف الفئات الاجتماعية.

كورونا ساهمت وضع الجميع امام التحدي الحقيقي، بهدف المساهمة الفاعلة في رسم الطريق الصائب، في معالجة الجائحة، بما ينسجم مع مقتضيات التفكير العقلاني، ووفقا للإجراءات الاحترازية الصادرة من الجهات الصحية، وبالتالي فان الخروج عن المسار السليم عبر ممارسات ”ترفيه“، يتطلب وضع البرامج القادرة على إعادة الأمور لمجاريها مجددا، بحيث تترجم على المجتمع بالفائدة المرجوة، بعيدا عن ثقافة التباهي، التي يحاول البعض اظهارها بمختلف الطرق، فتارة عبر مقاطع للفيديو تكشف كسر الإجراءات الاحترازية المتخذة، وتارة أخرى تكون عبر اطلاق بعض العبارات والممارسات، لتشجيع الاخرين على انتهاج سلوكيات مخالفة، للجهود المبذولة للقضاء على الفيروس القاتل.

كاتب صحفي