آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

كورونا: البعد اللغوي «5»

تفاعل اللغة مع المتغيرات الاجتماعية الطارئة

الدكتور أحمد فتح الله *

إنها تجربة نادرة للمعجميين أن يلاحظوا ارتفاعًا كبيرًا في استخدام كلمة واحدة في فترة زمنية قصيرة جدًا، وكما قلنا في مقال سابق في هذه السلسلة هي عملية تعكس تطور اللغة، والتطور عادةً، في أي شيء بطيء، يأخذ وقتًا طويلًا. والملفت للنظر أيضًا أن تأتي كلمة بشكل كبير وتسيطر على الخطاب العالمي، إلى درجة استبعاد معظم الموضوعات الأخرى. مفردة ”كوفيد - 19“ «Covid - 19»، وهو اختصار لمفردات ”الفيروس“، و”التاجي“ و”2019“، والمعروف شعبيًّا ب ”كورونا“ «Corona»، ومظاهره المختلفة، فعلت كلَّ هذا. «وقد فصَّلنا الحديث فيها، معنىً وتأصيلًا وتطورًا، في المقال السابق «الجزء - 4»»

نظرًا لأن انتشار المرض، بسبب هذا الفيروس، قد غيّر حياة المليارات من الناس، فقد أدخل معه في المقابل مفردات جديدة إلى عامة الناس تشمل مصطلحات متخصصة من مجالات علم الأوبئة والطب، والمختصرات الجديدة، والكلمات للتعبير عن الضرورات المجتمعية المفروضة كالعزلة والابتعاد.

عالم يكبر، أمراض تظهر، مفردات تواكب

ظهرت الحمى الصفراء «Yellow Fever» في عام «1738م»، وما عرف ب ”الإنفلونزا الإسبانية“ «Spanish Influenza» عام «1890م»، اختصرت إلى «Spanish Flu» في الوباء العظيم عام «1918م».

ظهر ”شلل الأطفال“ «Poliomyelitis» في عام «1878م»، وتم اختصاره إلى «Polio» في عام «1911م»، على الرغم من أن الوباء الذي هاجم الأطفال بشكل خاص وأثار الخوف في قلب الآباء كان في أسوأ حالاته بعد الحرب العالمية الثانية. وقد شهدت العقود الأخيرة في القرن العشرين، والأولى من القرن الواحد العشرين أيضًا نصيبها من المفردات اللغوية للأوبئة. ظهر ”الإيدز“ «AIDS»، اختصار لـ ”متلازمة ضعف/نقص المناعة المكتسبة“ «Acquired Immune Deficiency Syndrome» في عام «1982م»، و”سارس“ «SARS»، ”متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة“ «Severe Acute Respiratory Syndrome» في عام «2003م».

كوفيد - 19 «فيروس كورونا 2019»

تم وصف الفيروسات التاجية نفسها «Coronaviruses»، لأنها تشبه الهالة الشمسية، لأول مرة عام «1968م»، في ورقة بحث في المجلة العلمية ”الطبيعة“ «Nature». ولكن قبل عام «2020م»، كان عدد قليل جدًا من الناس قد سمعوا عن المصطلح خارج دائرة العلماء والمتخصصين الذين يدرسونها. «للتفصيل انظر الجزء الرابع من هذه السلسلة، كورونا: البعد اللغوي»

اللغة والأوبئة

ويقصد بها المفردات التي تتطور بسبب وجود ”وباء“، كما في حالة وباء كورونا العالمي.

ذكرنا في المقال السابق، أن الأزمات، من حروب وجوائح تخلق واقعًا جديدًا، يطال اللغة أيضًا، لأنها أداة تبادل المفاهيم، فتخلق مفردات جديدة، أو تمنح معانٍ جديدة لمفردات متداولة، لتعبر عن مستجدات الحدث الجديد، فتصبح جزءًا من الخطاب الجمعي في مجتمع ما وربما يخرج خارج حدوده حين تجد هذه المفردات والعبارات طريقها إلى الإعلام، بوسائله المختلفة، المرئية والمسموعة والمقرؤءة، وذكرنا أيضًا أن الأزمة العالمية القائمة، المعروفة بوباء كورونا، جائت بمفردات جديدة، بالإضافة إلى كلمة ”كورونا“ ذاتها الأقوى والأشهر بينهم. مع عزل/عزلة/ اعتزال «Isolation»، عزل ذاتي «Self Isolation»، إبتعاد/إبعاد اجتماعي، «Social Distancing»، حجر صحي «Quarantine»، حضر «Ban، Banning»، منع التجول «Curfew»، تسطيح المنحنى «Flat Curving، Flatting of the Curve»، وكلمات وعبارات أخرى.

في هذا الجزء من السلسلة أتناول حقيقة لم تكن أكثر صحة من أي وقت مضى قبل هذه الأزمة العالمية الحالية، ألا وهي أن التغيير الاجتماعي الكبير يجلب تغييرًا لغويًا كبيرًا، وهذا موضوع مسلم به عند اللغويين، خاصة علماء اللغة الاجتماعي، الذي يدرس ظاهرة اللغة في المجمتع الانساني، ويهتم به المعجميون «صناع المعاجم اللغوية». مثلًا، يقوم معجم أكسفورد، «OED» وهو اختصار لعبارة: Oxford «English Dictionary»، بتحديث تغطيته ليأخذ في الاعتبار هذه التطورات، وهذا التحديث يأتي خارج دورة النشر الربع سنويَّة المعتادة للمعجم. لكن البشرية ألآن في وقت أو وضع استثنائي، لذا يعمل العاملون في «OED»، الذين ”يعملون من المنزل“ «Work From Home»، واختصارها «WFH، «انظر أدناه». كما الآخرين في كل مكان. هؤلاء المعجميون يتتبعون تطور ”لغة الوباء“، أي المفردات التي تتطور بسبب وجود ”الوباء“، ويقدمون السياق اللغوي والتاريخي لاستخدامها.

بعض المصطلحات التي أصبحنا على دراية بها على مدى الأسابيع القليلة الماضية من خلال الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والإحاطات والمراسيم الحكومية موجودة منذ سنوات «العديد منها يعود إلى القرن التاسع عشر»، لكنها حققت طفرة جديدة وأوسع بكثير لوصف الوضع الذي نجد أنفسنا فيه حاليًا.

”Self - Isolation“ «العزلة الذاتية» و”Self - Isolating“ «المنعزل ذاتيًّا»

”العزلة الذاتية“ «Self - Isolation»، المسجلة في عام «1834م»، ك ”اسم“ «noun»، و”المنعزل ذاتيًّا“ «Self - Isolating» في عام «1841م»، المستخدمة الآن ك ”صفة“ «adjective» لوصف العزلة المفروضة ذاتيًا لمنع الاصابة أو نقل الأمراض المعدية، تم تطبيقها «استعمالها فعليًّا» في القرن التاسع عشر على الدول التي اختارت فصل نفسها سياسيًّا واقتصاديًّا عن بقية العالم.

بالإضافة إلى مصطلحات القرن التاسع عشر التي تم استخدامها للاستخدام الحديث، شهدت الأوبئة الأكثر حداثة، وخاصة الأزمة الحالية، ظهور كلمات وعبارات ومجموعات واختصارات جديدة حقيقية لم يتم صياغتها بالضرورة لـ ”وباء الفيروس التاجي“ «Corona Virus»، ولكنها شهدت على نطاق أوسع بكثير الاستخدام منذ أن ظهر هذا الوباء في الصين في ديسمبر عام «2019م».

Infodemic «وباء المعلومة»

”Infodemic“ كلمة مركبة من كلمتين: ”معلومات“ «Information» و”وباء“ «Epidemic»، يراد به انتشار معلومات متنوعة، لا تستند إلى أدلة في كثير من الأحيان تتعلق بأزمة أو جدل أو حدث، والتي تنتشر بسرعة وبشكل لا يمكن السيطرة عليه من خلال الأخبار وعبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعتبر بمثابة تكثيف التكهنات العامة أو القلق. حسب معجم أوكسفورد، مصطلح صاغه ديفيد روثكوبف «David Rothkopf» في 11 مارس 2003م، في صحيفة الواشنغتون بوست «Washington Post» لوصف انفجار المعلومات «والمعلومات الخاطئة تحديدًا» المرتبطة بوباء السارس «SARS» في ذالك العام «انظر السارس أدناه». وقد عاد استخدامه لوصف انتشار ”الأخبار“ في أزمة كورونا الحالية أيضًا. ويتابع المعجم المذكور استعمال المصطلح، كالتالي:

11 مايو/ أيار 2003م

تسبب السارس، كما هو معروف، في خسائر فادحة مع أكثر من 7,100 ضحية تم الإبلاغ عنها في جميع أنحاء العالم... لكن عواقب ”الوباء“ ذات الصلة كانت بعيدة المدى. ”وباء المعلومات“ جعل من الصعب السيطرة عليه واحتواء أزمة الصحة العامة. «ديفد روثكوبف في الواشنطن بوست».

16 أكتوبر «2011م»

انتقل غزو ”بق الفراش“ من خبر إخباري مهمش إلى اتجاه إعلامي هائل عندما بدأ بق الفراش يضرب الطبقتين الوسطى والعليا. ‏ «Winnipeg Free Press»

18 مارس «2020م»

دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الحكومات والشركات ووسائل الإعلام حول العالم إلى معالجة ”وباء“ الأخبار المزيفة، التي وصفها بأنها خطيرة مثل الفيروس التاجي نفسه. «علوم مسيحية، مونيتور «

Shelter - in - Place «مأوى في مكان»

عبارة ”مأوى في مكان“ «Shelter - in - Place»، هو إجراء يوجه الناس إلى العثور على منطقة آمنة في المكان الذي يتواجدون فيه حتى تتضح حقيقة الأمر الطاريء، وقد تم وضعه في عام «1976م»، في حالة وقوع هجوم نووي أو إرهابي. ولكن تم تكييف العبارة الآن كنصيحة للناس للبقاء في ”الداخل“، أي في ”المنازل“ «Stay Home»، أي ”خليك في البيت“ «ٍS»، لحمايتهم والآخرين من عدوى الفيروس التاجي «كورونا».

”Total Lockdown“ «الإغلاق التام»

مع تدفق أعداد الأشخاص إلى الغابات، وشاطئ البحر، والمناطق الريفية خلال عطلة نهاية الأسبوع، اتخذت الحكومات الخطوة التالية بما عرف ب ”الإغلاق التام“ «Total Lockdown» لمنع المزيد من انتشار ”COVID - 19“، عبر ”قانون كورونا“ «Coronavirus Bill»، والذي يأمر المواطنين بالبقاء في منازلهم وإلا واجهوا غرامات وإجراءات الشرطة. ولا يُسمح بمغادرة المنزل إلا لحضور الوظائف الأساسية - مثل الأطباء والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين - لشراء الطعام أو الدواء أو الذهاب إلى المستشفى. في بريطانيا مثلًا: ”لا يُسمح للأشخاص بمغادرة منازلهم إلا للأغراض المحدودة للغاية التالية:

* التسوق من الضروريات الأساسية، في حالات نادرة بقدر الإمكان،

* شكل واحد من التمارين يوميًا، على سبيل المثال الجري أو المشي أو الدراجة، بمفرده أو مع أفراد الأسرة،

* أي حاجة طبية، لتقديم الرعاية أو لمساعدة شخص ضعيف،

* السفر من وإلى العمل، ولكن فقط عندما يكون ذلك ضروريًّا للغاية ولا يمكن القيام به من المنزل.“

وقد تبنت بعض الدول بالفعل أسلوب الإغلاق، حيث تخضع إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وغيرها ”لحجر صحي شامل.“ في فرنسا، تنص الإجراءات الصارمة على أن فردًا واحدًا فقط من كل أسرة يمكن أن يغادر في وقت واحد، فقط لشراء الضروريات مثل البقالة أو حضور الصيدلية أو الذهاب إلى العمل

ماذا يعني الإغلاق الكامل في الواقع؟

جميع المحلات غير الأساسية مغلقة باستثناء: الأطعمة والصيدليات ووكالات بيع الصحف والأطباء البيطريين ومحطات البنزين والأجهزة والبنوك والمغاسل والمتعهدين.

مناطق اللعب الجماعية مغلقة.

أماكن العبادة مغلقة باستثناء الجنازات.

أماكن التجمعات لأكثر من شخصين، باستثناء الأسر.

الطرق وشبكات السكك الحديدية مغلقة إلا للعمال الأساسيين للوصول إلى العمل.

نتيجة الإجراءات الصارمة، وسلبية المعنى، فإن مصطلح ”الإغلاق الكامل“ ليس هذا هو المصطلح الذي يستخدمه المسؤولون، فتم استبداله بمصطلح: ”الحجر الصحي الجماعي“ «Mass Quarantine».

”التباعد الاجتماعي“ «Social Distancing»

كان ”التباعد الاجتماعي“ «Social Distancing»، الذي تم استخدامه لأول مرة في عام «1957م»، في الأصل موقفًا، وليس مصطلحًا ماديًّا «جسديًا»، يشير إلى العزلة أو محاولة إجبارية لإبعاد النفس عن الآخرين اجتماعيًا. وهو الآن، يقصد به جعل مسافة مترين بين الأشخاص لتجنب العدوى، وليس الإنغلاق الاجتماعي، كما يفهمه الناس ويستعملونه بهذا المعنى. «وقد تناولناه بالتفصيل في الجزء الثالث من سلسلة كورونا البعد اللغوي».

مصافحة الأكواع «Elbow Bump»

إلى جانب التحية بصفعة اليد باليد وهما مرفوعتان «في الهواء»، المعروفة ب ”خمسة عالية“ «High Five»، ظهرت المصافحة عن طريق الكوك بالكوع «Elbow Bump»، في «1981م»، وهي طريقة للتحية ولإيصال ”احتفالية“ لزميل في فريق عمل، أصبحت وسيلة لتجنب لمس اليد عند تحية صديق أو زميل أو غريب.

المختصرات «Acronyms»

ويراد بها الكلمات المتكونة من الحروف الأولى لكمات في عبارة ما بها تسمية لشيء ما، مثل:

RADAR «Radio Detection And Ranging»: رادار

PIN «Personal Identification Number»: الرقمي السري

ASAP «As Soon As Possible: بأسرع وقت ممكن

وقد احتلت الاختصارات الجديدة وغير المألوفة قبل أزمة كورونا مكانها أيضًا في مفرداتنا اليومية، وتظهر أيضًا في أحدث إصدار لمعجم أكسفورد «OED»، اختصارًا لـ «Oxford English Dictionary»، حتى مصطلح ”كوفيد - 19“ «Covid - 19» هو أيضًا مختصر أيضًا لـ «Corona Virus Disease 2019»، وهو التسمية الرسمية من قبل منظمة الصحة العالمية «انظر الجزء الرابع من هذه السلسلة».

WFH «العمل من المنزل»

في حين أن ”العمل من المنزل“ «WFH»، اختصارًا لـ عبارة «Work From Home»، يعود إلى عام «1995م» ك ”اسم“، ثم ”فعل“ في عام «2001م»، فإن الاختصار كان معروفًا لعدد قليل جدًا قبل أن يصبح أسلوب حياة للكثير من الناس، بل أغلبهم الآن.

PPE «معدات الوقاية الشخصية»

PPE هو اختصار لـ ”Personal Protective Equipment“ «معدات الوقاية الشخصية»، التي تعود إلى عام «1934م». الآن معترف بها عالميًا تقريبًا بهذا المعنى. والاختصار «PPE» يرجع تاريخه إلى عام «1977م»، ولكن يبدو أنه كان مقتصرًا في السابق على المتخصصين في الرعاية الصحية والطوارئ، وهو الآن معترف به عالميًا تقريبًا بهذا المعنى.

بعض مفردات الأوبئة في التاريخ

وباعتباره قاموسًا تاريخيًا، فإن معجم أكسفورد مليء بالفعل بالكلمات التي توضح لنا كيف تعامل الانجليز الأوائل لغويًا مع الأوبئة التي شهدوها.

ظهر أقدمها في أواخر القرنين الرابع عشر والخامس عشر، عندما كان الطاعون الكبير من «1347م» إلى «1350م»، وتبعاته، التي قتلت ما يقدر بنحو 40 إلى 60 في المائة من سكان أوروبا. ليس غريبًا أن يكون الوباء حاضرًا دائمًا في الذاكرة الجمعية للأوربيين، بل ومصدر خوف وقلق لهم.

Black Plaque vs. Black Death «الطاعون الأسود مقابل الموت الأسود»

تم استخدام ”الطاعون الأسود“ «Black Plaque»، الذي يطلق عليه من البثرات السوداء التي ظهرت على جلد الضحايا، لأول مرة في أوائل القرن السابع عشر، على الرغم من أن مرادفه المألوف ”الموت الأسود“ «Black Death»، لم يظهر حتى عام «1755م». كان الطاعون في القرن السابع عشر هو الذي أباد قرية بأكملها في ديربيشاير «Derby shire» في انجلترا «بريطانيا» التي عزلت نفسها ذاتيًّا «chose to self - isolate» أو حجرت ذاتها صحيًّا «chose to self - quarantine»، حسب معجم أوكسفورد.

Pestilence «وباء، طاعون»

مرض وبائي مميت، وخاصة الطاعون الدبلي. و”الوباء“، أو ”المرض القاتل“، تم استعارته من الفرنسية واللاتينية، وظهر لأول مرة في الكتاب المقدس، نسخة الراهب ويكليف «Wycliffe» للانجيل، في سنة «1382م»، بعد عدة سنوات من الطاعون الكبير الأول السابق ذكره. المصطلح المتصل «pest»، آتٍ من الآفة «peste» في اللغة الفرنسية بعد ذلك بوقت قصير. وكلمة ”pest“، كما في ”الحشرة التي تصيب المحاصيل“ تنبع من تطور استخدام مفردة الطاعون الأصلي المذكور. وفي تطور ملفت أيضًا أن الكلمة تطورت وأضافات لمعانيها معنىً ليوصف بها ”الشخص المزعج“ أو غير المرحب به، كما هو حال الحشرة «bug».

Pox «مرض فيروسي»

ظهر مصطلح ”بوكس“ «Pox»، جمع كلمة «pok»، الذي يشير إلى البثرة أو العلامة التي يتركها المرض على جلد المصاب، في عام «1476م»، كمصطلح يطبق على عدد من الأمراض الفيروسية المعدية الخبيثة «viral diseases»، التي تنتج طفحًا من البثور «pockmarks» التي تصبح مليئة بالصديد وتترك علاماتها بعد الشفاء، أشهرها مرض الجدري «Small Pox» المميت «تم تسجيله لأول مرة في «1560م». وفي اللغة غير الرسمية «الشعبية»، ”pox“ تعني مرض ”الزهري“ «Syphilis»، وهو مرض جرثومي «بكتيري» مزمن ينجم بشكل رئيس عن طريق العدوى أثناء المعاشرة الجنسية، ولكن أيضًّا خلقيًّا عن طريقة إصابة الجنين أثناء الحمل أو الولادة.

وقفة مع بعض المفردات

Epidemic vs. Pandemic «وباء مقابل جائحة»

كانت الضربات العظيمة في القرن السابع عشر الميلادي هي التي فتحت بوابات الفيضان لدخول الكلمات ”الوبائية“ «المتعلقة بالوباء» إلى اللغة الإنجليزية لوصف تجربة المرض الوبائي. ظهرت كلمة ”الوباء“ «Epidemic» و”الجائحة“ «Pandemic» في القرن السابع عشر. يراد ب الوباء: زيادة عدد حالات المرض بما يتجاوز ما هو متوقع عادة. غالبًا ما تكون الزيادة مفاجئة. أما الجائحة، فير اد بها المرض الذي انتشر إلى دول أو قارات متعددة. فبينما ”الوباء“ محلي «Local Epidemic»، أي مرض منتشر في بلد ما بين السكان المحليين للكثير من الدول على نطاق واسع، الجائحة هي ”وباء عالمي“ «Global Epidemic». لذلك عدَّت منظمة الصحة العالمية الوباء ”كوفيد - 19“ «Covid - 19» الذي انتشر في الصين، جائحة عالمية في 11 مارس 2020م، بعد أن ”اجتاح“ حدود الصين إلى دول أخرى في أوروبا، كإطاليا، والشرق الأوسط، كإيران. ثم أصبح عابرًا للدول والقارات. يومها بلغ عدد الحالات المصابة حول العالم 113 ألف و752 حالة، وسجلت جميع الدول التي أعلنت عن إصابات 4 آلاف و18 حالة وفاة جراء كورونا. والجائحة، كما علقت المنظمة، ”ليست وصفًا يُطلق بخفة أو لامبالاة. بل هي مفردة إذا أسيء استخدامها يمكن أن تسبب خوفًا غير عقلاني أو تسليمًا غير مبرر بأن المعركة باتت خاسرة، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من المعاناة والوفيات دون داع. في الوقت ذاته، لم نشهد من قبل جائحة يمكن السيطرة عليها. نحن نؤمن أنّ هذه جائحة يمكننها بالجهود الدولية المشتركة السيطرة عليها“.

والجدير بالذكر أن نذكر هنا مصطلح يتدوال في سياق الوباء والجائحة، ألا وهو ”التفشي“ «Outbreak»، والذي اقترح الباحث مانفريد س. قرين «Manfred S. Green» ورفاقه «2002م» أن يستخدم فقط للحالات القليلة فقط، ووافق معجم شامبرز المختصر «Chambers Concise Dictionary» ومعجم ستيدمانز الطبي «Stedman's Medical Dictionary» على هذا التمييز بين الوباء والتفشي وأعتمدته منظمة الصحة العالمية «2003م».

Self - Quarantine «الحجر الصحي الذاتي»

تم تطبيق الصفة ”المحجور ذاتيًا“ «Self - Quarantine» لأول مرة في وصف تاريخي من عام «1878م»، على قصة السكان الأبطال من أيام الذين عزلوا أنفسهم في سنة «1665م» إلى «1666م»، لتجنب إصابة القرى المحيطة، لكن مات حوالي ثلث سكانها نتيجة لذلك.

Mass - Quarantine «الحجر الصحي الشامل»

وكلمة ”Mass“، تعني ”الجمهور العام“، كما في عبارة: Mass Media «وسائل الإعلام الجماهيرية» التي تخاطب عامة الناس، ولا تقصر على فئة معينة. وقد أشرنا لهذا المصطلح كبديل مفظل عن مصطلح الإغلاق العام «Total Lockdown»، «انظر أعلاه». والجدير بالذكر، إضافة للحجر الصحي المعروف، الذي تتخذه الجهات الرسمية على وضع المرضى تحت مراقبة كادر طبي، في المستشفى، أو مبنى آخر موجود أو تقيمه الدولة، هناك نوع آخر ظهر في هذه الأزمة، وهو الحجر الصحي الذاتي «Self - Quarantine»، الذي يقوم به من تظهر عليه أعراض الإصابة بفيروس كورونا بعزل ذاته في البيت، حتى عن أفراد البيت ألآخرين.

هذه مجموعة مختارة من المفردات والمصطلحات والمختصرات التي يتم تدوالها في هذه الأيام بسبب كورونا وتبعاته، وهي من ضمن المفردات التي دخلت رسميًّا في معجم أكسفورد للغة الإنجليزية «OED»، أمَّا الكلمات الشعبية، ك ”كفيديو“ «covidiot» التي تتطرقنا لها في الحلقة الثانية من هذه السلسلة، تحتاج إلى وقت كي تدخل المعاجم الرسمية، إن بقت، أو تطورت. وقد جمعت منها كثيرًا، وربما نطل عليها هنا أو في مقال مستقل قريبًا لأهيمة موضوعها. وسيواصل المعجميون والمهتمون بأمر اللغة مراقبة بيانات «corpora» اللغة الإنجليزية، بصفتها اللغة السائدة في العالم، في جميع مجالات الحياة التي مسها وباء كورونا، مع بيانات اللغات الأخرى لاكتشاف الكلمات ومعانٍ جديدة مرتبطة بالوباء وتقييم تواتر «تكرار» استخدامها، وتحديث تغطيتها للمساعدة في سرد ”قصة كورونا“، التي حتمًا ستصبح جزءًا لا يتجزأ من لغة الناس إلى فترة قادمة.

والمفردات الجديدة، مصطلحات من علوم مختلفة، ومختصرات، وكلمات تواكب الضرورات المجتمعية التي فرضها انتشار كورونا، تثبت العلاقة الوثيقة بين التغير الاجتماعي والتغير اللغوي «بين اللغة والمجتمع». ولنا وقفة تأمُّليَّة في هذه العلاقة في مقال قادم، إن شاء الله.

تاروت - القطيف