آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

مع شخصيات الفكر والأدب - علي محمد عساكر «3»

ناصر حسين المشرف *

يأتي الجزء الثالث من ترجمة الشخصية الأولى لمبادرتي «مع شخصيات الفكر والأدب» الكاتب علي محمد عساكر، ونحن نعيش ذكرى ميلاد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي ، الذي يصادف هذه الليلة «ليلة السبت 3 شعبان 1441 هـ ».

وعليه سيكون حديثي في هذا الجزء منحصرا في عرض ما لشخصية هذا الأسبوع من هذه المبادرة من نشاط حسيني، سواء تأليف كتب، أو كتابة مقالات، أو إلقاء محاضرات، أو مشاركة في احتفالات وأمسيات وفعاليات، وأيضا مع التوثيق ببعض الصور التذكارية لبعض هذه الفعاليات.

فمن مؤلفات الكاتب عساكر المتعلقة بأبي الضيم وسيد الأحرار، الإمام الحسين ، كتابه «دروس من واقعة كربلاء» الذي أشرت إليه في الجزء السابق، وهو كتاب بخط اليد، ثم قام بنسخه على الكمبيوتر.

وله بحث آخر بعنوان «الحسين مدرسة الأجيال» هو في الأصل محاضرة ألقاها في مسجد الإمام الصادق بالجفر، بعد صلاة يوم الجمعة 29 ذو الحجة 1435 هـ ، ضمن السلسلة فعاليات «السلسلة الأسبوعية لتغطيات خطب الجمعة في الأحساء» حيث انبثقت في تلك السنة لدى «الأستاذ عباس المعيوف» فكرة أن يقوم بتغطيات خطب الجمعة، فكان في كل جمعة يحضر إلى مسجد معين في بلدة معينة، ويستمع إلى الخطبة ويقوم بعمل تغطية لها، وذلك بالتنسيق مع كل مسجد وإمام «مع ملاحظة أن عساكر ليس إماما».

وحين طرأت في ذهن الأستاذ المعيوف فكرة أن يجمع تلك التغطيات بما تحوية من مادة، كتب عساكر تلك المحاضرة، وتوسع في تناول عناصرها ومحاورها، فخرجت في «22» صفحة من صفحات الورد، ولديه تفكير أن يضيفها إلى كتاب «دروس من واقعة كربلاء» ويقوم بتنقيح المادتين، ويخرجهما في كتاب، بعنوان «الحسين مدرسة الأجيال»

وأما المقالات فقد كتب الكثير منها، سواء عن الإمام الحسين، أو عن ثورته الظفرة، وبعضها منشور على صفحته في الفيس بوك، أو في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.

ومن بين هذه المقالات:

  1.   إحياء عاشوراء: طقوس دينية أم عادات اجتماعية؟
  2.   أراجيز كربلاء.
  3.   الاختلاف في فهم ثورة كربلاء.
  4.  الإمام الحسين حياة دائمة، وملك عالمي.
  5.   الإمام الحسين شمعة ودمعة.
  6.   الإمام الحسين في عيون غير المسلمين.
  7.   الإمام الحسين من وجهة نظري المعرفية.
  8.   خيول الأعوجية.
  9.   هل هتكت خدور النساء في كربلاء.
  10.   أبطال كربلاء والرشد الإسلامي.
  11.   المنبر والمنبريون.

وأما عن مشاركته في الفعاليات الحسينية المختلفة فهي كثيرة جدا، أكثرها داخل المحافظة، وبعضها خارجها.

ولعل من أبرز مشاركاته الخارجية، مشاركته في «الأمسية الشعرية الحسينية: فليرحل معنا» التي أحياها نخبة من شعراء الأحساء والدمام والبحرين وعمان، في «مجمع أهل البيت في مسقط بسلطنة عمان» مساء يوم الخميس 30 محرم 1440 هـ  11 أكتوبر 2018م، وكانت مشاركته عن «القيم الإنسانية في الثورة الحسينية».

وبما أن حديثي عن الكتب والمقالات والفعاليات الحسينية، فلا بأس أن أختم هذا الجزء بمقطع من مقال عساكر: «إحياء عاشوراء: طقوس دينية أم عادات اجتماعية؟» فمما جاء فيه:

«منذ أن استشهد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي في اليوم العاشر من شهر المحرم سنة «61 هـ » على أرض كربلاء القداسة والجلال وإلى يوم الناس هذا، والضمير الإنساني يتفاعل إيجابيا مع استشهاده، ويتعاطف مع مأساته، حتى أضحت الدنيا كلها كربلاء، والأيام كلها عاشوراء، فيستحيل أن يمرّ يوم دون أن يكون هناك ذكر للإمام أبي عبد الله الحسين، حتى أصبح هو مالئ الدنيا، وشاغل الناس.

ويزداد هذا التفاعل الإيجابي مع هذه الثورة المقدسة، والمأساة الدامية في المناسبات الخاصة بها، كما هو الحال في «ذكرى الأربعين، وأيام عاشوراء الإمام الحسين » إذ في مثل هاتين المناسبتين يصل الاحتفاء بالإمام أبي عبد الله إلى أقصى مداه، فتكاد الدنيا كلها تندب حسينا، وتلهج باسمه، وتتغنى ببطولاته وأمجاده، بعد أن اتخذته رمزا للعزة، والكرامة، والحرية، والإباء، والتضحية في سبيل الحق، والوقوف في وجه الظلم والطغيان.

كما يأخذ هذا الاحتفاء الكبير أشكالا متنوعة، وصورا متعددة، كالرثاء، ومجالس العزاء، واللطم، والبكاء، وقرع الطبول، والضرب بالسلاسل... وإلى ما هنالك من مظاهر الاحتفال والاحتفاء بالإمام الحسين وثورته، والتفجع لمصابه ومحنته، بغض النظر عما يمكن الاختلاف فيه، وهل هو أصيل أم دخيل، وجائز أو غير جائز شرعا.

وكما أن ثورة الإمام أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه شغلت بال الباحثين والمفكرين والكتاب والأدباء والشعراء، حتى كتب فيها «نثرا وشعرا» ما لم يكتب في غيرها، كذلك كان لطقوس إحيائها، ومظاهر الاحتفاء والاحتفال بها نصيب كبير جدا من الاهتمام، فكتب حول ذلك ما كتب من دراسات وأطروحات دينية وتاريخية وتحليلية وغيرها.

بعض الأطروحات تناولت طقوس الثورة الحسينية من خلال «علمي النفس والاجتماع» وحاولت التعرف على منشأ هذا الاحتفاء، والكشف عن سره، وبيان عوامله وأسبابه، من الناحيتين: الاجتماعية والنفسية.

ومما يلفت النظر في بعض هذه الأطروحات تأكيدها على أن الاحتفاء بعاشوراء الإمام الحسين ما هو إلا «طقوس وعادات وتقاليد أقوى من العقيدة» وقد «ترسخت هذه الطقوس لتصبح بمثابة العقيدة التي يتداخل فيها الديني بالسياسي بالاجتماعي».

وهنا يجب أن نلاحظ محاولة نزع الصبغة الدينية عن الاحتفاء بالإمام الحسين، ونفي أن يكون لذلك أي منشأ إسلامي، واعتبار ذلك مجرد عادات وتقاليد اجتماعية، تلقفها الشيعة عن طريق التوارث، وأخذوا يحيونها كطقوس خاصة بهم، إلى أن ترسخت وتحوّلت إلى ما هو أقوى من العقيدة!!

أما لماذا هذه الأطروحات تعتبر إحياء عشوراء مجرد طقوس متوارثة؟ فذلك لأن الناس - كما يرى عالم الاجتماع الكندي ”ايرفينغ غفمان“ -: «كائنات طقوسية بكل امتياز، ولا يمكنهم العيش إلا بواسطة طقوس تنظم مبادئهم الرمزية المختلفة، فالمجتمع مسرح يومي تؤدى فيه الأدوار منتظمة وفق طقوس تفاعلية لا تستوي الحياة الجماعية بدونها»

كما أن هذه الطقوس «تقوي جميع هذه الاحتفالات التي تصاحبها المشاعر الجماعية، وتتعهّد الوعي الجمعي بالتقوية، كما تدعم انتماء الأفراد إلى النظام الديني والاجتماعي والسياسي القائم.

ولا تمثّل الطقوس - في كلّ هذه الأمثلة - هدفا في ذاتها، بل تدرك قيمتها - كل قيمتها - من وظيفة الشحن والتجييش التي تلازم الأنشطة الجماعية، وخاصّة الاحتفالية، والدينية منها».

ولا يفوت أصحاب تلك الأطروحات أن يلفتوا النظر إلى أن عالم الاجتماع الفرنسي ”إميل دوركايم“ أكد في كتابه ”الأشكال الأولية للحياة الدينية“ هذه الحقيقة، وبيّن هذا الأُثر للطقوس التي يتم تأديتها بشكل جماعي، حيث أوضح أنه: «تشكّل لدى الأفراد من خلال حضورهم الجماعي ضرب من الشعور الجمعي الجيّاش، لا يدركونه وهم في حالتهم الفردية».

وعليه ففي نظر أصحاب تلك الأطروحات: لابد وأن تكون طقوس عاشوراء كلها من الخرافات والأساطير، وذلك لأن الطقوس «ترتبط - غالبا - بالعادات والتقاليد والقصص والأساطير، وتختلط بالشعائر الدينية، حيث ترتفع إلى مستوى العقيدة، كما أن من أهمِّ خصائصها أنها تميل إلى التكرار والاستمرارية، من أجل تكريس ديمومة الطقس، وإعادته في كل مناسبة كما كان في الماضي».

كما أن للطقوس جذورها النفسية التي تطرق إليها عالم النفس الاجتماعي ”إرك فروم“ فأوضح أن الطقوس «في النهاية تعبير رمزي عن الأفكار والمشاعر التي تظهر في طريق السلوك، ومهما تكن الأسباب دينية أو اجتماعية، فهناك أسباب أخرى لا واعية تتداخل معها».

وأيضا لا يفوت أصحاب تلك الأطروحات التي تناولت إحياء عاشوراء من منظار نفسي واجتماعي أن يلفتوا النظر إلى ما يؤكده بعض الباحثين من «أن الطقوس تمثل قناة مهمة يلجأ إليها الأفراد في ظروف الاستغلال والكبت الاجتماعي، كما هو الحال في أوساط جماعات الأقلية، أو المنبوذة، أو المهمشة، كحال الشيعة.

ويتم ذلك - كما يرى هؤلاء الباحثون - بفضل دور هذه الطقوس في ترقية الوضع النفسي للأفراد إلى مستوى واقع مركزهم الاجتماعي المتدني في بعض الدول العربية من منظورهم الفكري والاجتماعي، وتؤسس تلك الطقوس - من خلال التكرار المنتظم - لمجتمع يتميز بالخصوصية المطلقة، والتي لا يمكن معه التناغم أو التآلف مع أي محيط لا يشركه الرأي في تلك الطقوس، وهذا التكرار لتلك الطقوس يؤسس ويرسخ المعتقد في الذهن والجسد، وذلك بحسب ما يسميه علماء الاجتماع: «التطبع» خصوصا وأن تلك الطقوس ممتلئة بالشحنات الروحية والوجدانية، ومن خلال ذلك التكرار المنتظم تتم عمليات التنشئة، وعمليات الاكتساب، والتلقين الثقافي والعقائدي، الأمر الذي يسهم في ترسيخ القناعات والميول في الذات أو المجتمع».

وخلاصة هذه الأطروحات أنه لا يوجد أي منشأ ديني لإحياء عاشوراء، والاحتفاء بالإمام الحسين وثورته المظفرة، التي ثلت عروش الظالمين، أو التفجع والألم لما جرى عليه من المصائب في كربلاء، ولا أقل من أنه الأقل والأضعف في الموضوع، وإلا فكل ما يقوم به الشيعة ما هو إلا مجرد عادات وتقاليد متوارثة، حرص عليها الشيعة لما تحققه لهم من مكاسب اجتماعية وفوائد نفسية على حد سواء.

والحق أنه من الجميل جدا أن نتوسع في دراسة بعض الظواهر «ومنها طقوس عاشوراء» لنتناولها من خلال علوم أخرى، بدل أن نحصر أنفسنا في دراستها من خلال الدين فقط، ويكون تركيزنا منصبا على أنها جائزة أو غير جائزة من الناحية الدينية، أو أن يكون تعالمنا معها فقط من خلال العاطفة الجياشة، دون أي وعي أو إدراك.

وحقا إن تناول الطقوس انطلاقا من علمي النفس والاجتماعي يساعدنا كثيرا على اكتشاف بعض الأمور التي قد تكون غائبة عنا نتيجة إغفال الجوانب الاجتماعية والنفسية في الموضوع، وفقط التركيز على الجانب العاطفي أو الشرعي، وهل هي حلال أم حرام.

ولكن في الوقت ذاته نحن بحاجة إلى القدرة والتمكن من تناول الموضوع من خلال تلك العلوم، ومن كان قادرا ومتمكنا فجدير به أن يكون منصفا وموضوعيا في بحثه، لأن المفترض أن غاية الباحث هي الحقيقة، وليس التعمية عليها لحاجة في النفس، الأجدر الأولى بالباحث الترفع عنها.

والمؤسف حقا أن بعض أصحاب تلك الأطروحات إما هم فعلا غير جديرين بالبحث في مثل هذه المواضيع، لافتقادهم للمؤهلات التي تمكنهم منها، أو غلبتهم العصبية، واستسلموا للهوى، فضيعوا الحقيقة باسم البحث عنها!!

ومما يمكن تسجيله من ملحوظات على هذه الأطروحات أنها اعتبرت إحياء عاشوراء من العادات والتقاليد المتوارثة، وركزت على جميع أو جل المؤثرات الاجتماعية والنفسية في الموضوع، وأغفلت الجانب الديني عن قضية مرتبطة به كل الارتباط، وإن شابها ما شابها في بعض الجوانب والجزئيات، أو اختلف في بعض تفاصيلها من اختلف ما بين مؤيد ومعارض، ومن يرى أن تلك الممارسة المعينة موافقة للدين أو مخالفة له.

وهذا خلل كبير في البحث، له آثاره السلبية على قيمة تلك الأطروحات، والنتائج التي يمكن أن نصل إليها من خلاله، والتي قد لا تكون دقيقة، كوننا غيّبنا جانبا مهما جدا ما كان له أن يغيّب أبدا عن دراستنا، ذلك هو الجانب الديني وموقفه من تلك الطقوس، إذ لا يمكننا أن نفصل القضية «أعني أية قضية» عن موضوعها الأصل الذي تنتمي إليه، وتتفرع عنه، ونقوم بتناولها عرضا ودراسة وتحليلا من خلال علوم بعيدة عنها، أو على الأقل ليست هي بذات صلة كبيرة بها، كما هو الحال في موضوعها الأصل الذي لا يمكننا التفكيك بينها وبينه بأي حال من الأحوال.

فكما أن القضايا الاجتماعية «مثلا» لا يمكننا أن ندرسها فقط من خلال علم النفس، ونغفل علم الاجتماع «الذي هو الأصل في الموضوع» وكما أنه لا يمكننا إهمال العقل في القضايا العقلية، لنقوم بدراسة الموضوع من خلال العلوم المادية والتجريبية بعيدا عن العقل ومعطياته وأحكامه، كذلك القضايا الدينية لا يمكن أن ندرسها فقط من خلال علم الاجتماع أو غيره، ونغفل الدين وموقفه من تلك القضية، وأثر ذلك الموقف على المتدينين ومدى تفاعلهم مع القضية.

فطقوس عاشوراء - وإن كانت تحقق لمن يمارسها ما يمكن أن تحققه مما جاء في تلك الأطروحات - ولكن الحق أن الممارسين لها لم يقوموا بممارستها فقط لأنها تحقق لهم تلك الأمور المشار إليها في تلك الآراء، بل كان منطلقهم في ذلك هو الدين أولا وقبل كل شيء، بغض النظر عمّا إن كانت جميع تلك الطقوس متوافقة مع الدين، أو فيها ما يخالفه» 

إلى آخر المقال وما فيه من مناقشة لتك الأطروحات.