آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:29 م

هل نصبح فيلة بعد الأزمة؟

ضرب لنا مدرب في الإدارة ذات مرة مثلاً في سوءِ التعود على الروتين وواجب التحكم في المعطيات والأفكار السلبية بفيلٍ أسماه ”نيلسون“. قال لنا في حكايته عن الفيل: أنَّ فيلا صغيرا تعرض للأسر من قبل أحد الصيادين وتم ربطه بسلسلةٍ حديدية. حاول الفيلُ التخلصَ من السلسلة فلم يستطع. أعاد الفيلُ محاولات الهروب مراتٍ عديدة لكنه لم يستطع كسر القيد بل أصابته جروح، وبعد تكرار المحاولات الفاشلة يأس وتوقف عن محاولات الهرب. حينها أيقن الصياد أنه ثَبت في عقلِ الفيل الباطني العجزَ عن قطع أي نوعٍ من القيد فاستبدل الحديد بحبلٍ ضعيف قابل للقطع وأبقى الفيلَ في الأسر.

أكاد أجزم أن لو كان الفيل ”نيلسون“ يدرب الفيلةَ في هذه الفترة من الزمن ويعطي دروساً عن التحرر من القيود وفي ضوء خبرته المأساوية لقال: إن مخلوقاتٍ صغيرة اسمها فيروسات لا يراها البشر إلا بعد أن يكبروها بمجاهر خاصة حَبستهم كلهم في دولهم ثم في مُدنهم ثم في بيوتهم. وأظن أن البشرَ بعد شهرٍ أو شهرين من الاحتجاز سوف يألفونَ حياتهم الجديدة بحيث لو انتهى وجود هذه المخلوقات الصغيرة لن يخرجوا من بيوتهم مجددا!

قد يكون ”نيلسون“ محقا في قوله من حيث أن الحالة أجبرتنا على الاحتماء والاختباء فكلنا أصبحنا ”نيلسون“، لكنها حالة مؤقتة، حالما تنتهي سوف يفر الناس من بيوتهم ومنازلهم إلى الفضاءِ الأوسع لأن البشر مخلوقات بطبعها تدرك جمالَ الحرية والحركة ولا تعتاد الروتين إلا في القليلِ النادر من الحالات. وهذه ليست أياما عادية يمكن للفيلِ الاقتباس منها أو البناء عليها!

من اليقين أن سلوك البشر بعد انتهاء هذه الأزمة سيكون أقرب إلى الطيورِ التي لا تعتاد المحاكر والحجر، وأبعد ما يكون عن سلوك نيلسون. لن تكون حياة البشر مختلفة كليا عنها قبل الأزمة فلا نكوصَ أو عودة لما قبل عصر العولمة. مع الإعلان عن لحظة الخلاص من الجائحة سوف يعود الناس لحياتهم التي اعتَادوها. ومن المؤكد أن الكثير منهم الآن يضعون خططا للحظة الصفر التي فيها يعلن عن اختفاء الأزمة. ثم لا تفرغ الشوارع من البشر ولا السماء من الطائرات، ولا المتنزهات من العوائل إيمانا وتصديقا بأن الحياةَ لا تعود للوراءِ أبدا.

الخوف الوحيد هو أن تنتهي أوزاننا مثل الفيلةِ الصغيرة من الضجرِ والخمول قبل انتهاء هذه الأزمة!

مستشار أعلى هندسة بترول