آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

كورونا يكشف المستور

عبد الرزاق الكوي

مع تفاقم وانتشار وباء كورونا والدور الكبير الذي تقوم به الدولة وتضحيات الكوادر الصحية ووقوفهم في الخطوط الأمامية لحماية مجتمعهم وتضحياتهم المقدرة من الجميع، والوقفة الاجتماعية من الأفراد في تكافل مشرف من أجل دعم الجمعيات الخيرية للتخفيف من معاناة شريحة عزيزة على القلوب وصل بهم الحال الى ما وصل من عوز وضعف وقلة حيلة.

في ظل هذه الأوضاع التي تمر على العالم اجمع تتوحد فيها البشرية ضد عدو واحد، فلا تكتلات ولا أحزاب ولا حروب خفية، فالعدو اليوم مشترك، وقوي ويحتاج تكافل من أجل القضاء عليه والتخفيف من وطأته على كاهل الجميع، وعلى أفراد تقطعت بهم السبل وتراكمت عليهم الأعباء.

فالعطاء من قبل الشركات والمؤسسات وارباب الاعمال وغيرهم الذين استفادوا من خيرات البلاد والتسهيلات ودعم المجتمع، فبدلا ان يقدموا العطاء والمساعدة ويخففوا عن كاهل المواطن، يبرز كل يوم خبر بتسريح مجموعة من العمال والموظفين من اعمالهم، بحجة تأثير وباء كورنا على الإنتاج، فبدلا ان يمدوا يد العون شكرا وامتنان بما يحصلون عليه وهذا المأمول، وعلى الأقل اذا لم يفعل في نفوسهم حب الخير وغلب حب الدنيا وجمع المال على أنفسهم، ان يجعلوا العامل والموظف في شركاتهم ولا يتم تسريحه ويعتبرونه ولاء وعطاء لهذا البلد ومحافظة على استقراره باستقرار شريحة منه، فالمسرح من عمله وهو صاحب مرتب ضعيف يعمل في اليوم احيانا فترتين او نوبات، استغلت تلك الشركات حاجته الماسة للدخل من أجل لقمة حلال يأكلها مع أطفاله وتعينه على الأعباء الحياتية، فهل هذا ما يستحقه المجتمع من مرفق بنى مجده ونمى ماله وكثرت خيراته، ولا زال حتى مع الأزمة لم يتوقف عمله، ومشاريعه في توسعات وفروعه في كل مكان، يستخسر ان يبقي أبناء المجتمع في وظائفهم، وكأنه كان ينتظر الفرصة من أجل التخلص منهم، وجاءه الفرج والعياد بالله من وباء ينتفع منه، حتى لو كان على حساب فرد ينتظر هذا الراتب الضعيف، يحتار في اي خانه يضعه، هل للأقساط او الإيجار او الكهرباء او الديون او غيرها من مستلزمات الحياة.

ان المتضرر الأول هو من تم تسريحه والمتضرر الاخر البلد، فيمكن نلتمس العدر لشركة او مرفق تسبب وباء كورونا في إغلاق محله وتوقف عمله وتكبد من جراء ذلك خسائر جمة، اما مرفق لا زال يعمل بطاقته الاعتيادية او زيادة او تأثر تأثرا قليلا، فهذا يحتاج ردة فعل من الجهات المختصة ومن قبل كل فرد يتعامل معه، حتى يعي ما اقترفت يداه وما سولت له نفسه المريضة، ويدلوا كلا بدلوه عن هذه الشركات التي تمتص خيرات الناس ومردودها سلبي وتأثيره يصل الى درجة الخطورة على المجتمع.

قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق، فالعامل والموظف قبل بالقليل والعمل الكثير، والمسرحين هم أصحاب الدخل المحدود ومسؤولياتهم اكبر مما يتقاضوه.

فالمجتمع مطالب ان يقول للمحسنين احسنتم ويبرز اسم هؤلاء المحسنين وعطاءهم، ومطالب ان يقول للمسيئين اسئتم ويعرف المجتمع بهم، حبا وواجبا تجاه بلد نسعى جميعا لرقيه ومجتمع ينال حقه المشروع في وظيفة بدون تهديد سنويا للتجديد معه او تسريحة في اول فرصة سانحة، فهذا العمل من قبل المجتمع سوف ينعكس بعد الأزمة بمشيئة الله على المحسن وإقبال الناس عليه حبا وتقديرا بما قدمه، والابتعاد عن المسيئ ومقاطعته بما اقترفت يداه وظلمه لمجتمعه.

فتقدم كل مؤسسة او شركة او اي مرفق حيوي هو بالدعم من قبل أفراد المجتمع، ومقياس تقدمه هو رضا متلقي خدماته، فهل من المتوقع احد من العوائل سرح فرد او اكثر من وظيفته سوف يتعامل مع من خذله وتخلى عنه سريعا.

فكفاءات مخلصة ونفوس طيبة وراضية واختصاصيين أصحاب خبره، سوف يتراجعون مستقبلا عن التوظيف في مثل هذه الشركات، ويتجهون الى شركات اخرى ذات سمعه جيده اثناء انتشار وباء كورونا، وسوف تكون الشركات التي تخلت عن مسؤولياته هي الخاسر الأكبر، فرغم صبر وتحمل موظفيها قلة الرواتب وانعدام الحوافز ومخاطر العمل كانت المعاملة اكثر من سلبية.

فالمتبرعين ومقدمي الدعم للجمعيات الخيرية اليوم هم اصحاب الدخل المحدود، انعم الله عليهم نعمة العطاء وحب بلدهم وخوفهم على مجتمعهم.

فمن تغدر به شركته وتتخلى عنه في احلك الظروف، وتوقف التوظيف في الوقت الحاضر، ولا أحد يعلم بالمستقبل، يصبح هذا الموظف بلا مصدر رزق وكذلك يكون من المتعففين الذي لا أحد يعلم بحالة وقساوة ظروفه، وإن كانت الدولة تساعدهم سوف يشكل عبء آخر مع مكافحة وباء كورونا الذي قدمت فيه الحكومة كل الجهود وأصبحت علم يشار لها بالبنان في ما تقدم.

فلا شك بقدرة الشركات الكبيرة ومدخولاتها خلال السنوات الطوال، ان تعجز عن الصمود اشهر معدودة، وحتى لو تأثرت فالتأثير محدود، لكن طمع الانسان احيانا يصبح بلا حدود ولا رادع خلقي ينهره على افعاله، فالأمر مخزي ومعيب، يصل فيه الى درجة من التحايل والالتفاف واستغلال هذا الوباء لكسب المزيد من المال.

فكل اثر سلبي ينتج عن تسريح موظف وانعكاس هذا الفعل على المجتمع وتضرر البلد من هذا الفعل، هو من تحت يد أثيمة أوصلت البلد والمجتمع الى هذا الحال.

ان للإنسان دعوة للمحسن الذي احسن له يطرح له الخير في رزقه ونماء عمله، والمظلوم دعوة ليس لها حاجب تصيب الظالم في مقتل، لصرخة طفل جائع وشيخ مريض، ورب صاحب أسرة لا حول له ولا قوة اثر كبير لا يرضاه الله لعبده، ولا يرضى كذلك من صاحب شركة كان السبب لمأساة عبد من عبيده.

فالأزمات يظهر المعدن الطيب ومن الخير لبلده هذا البلد الذي كان سببا في ما وصل اليه وجمع فيه المليارات، وينتظر الفرصة للمزيد.

فوقفه مع الضمير يفكر فيها أصحاب الشركات بقلب إنساني، وحس وطني، وواجب ديني، وبالتأكيد ليس منة من قبلهم، بل أقل من واجبهم.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو حسين
[ القطيف - تاروت ]: 18 / 4 / 2020م - 11:09 ص
أحسنت وبورك في قلمك أخي عبدالرزاق.. نعم هناك من وقف مع إخوانه في هذه المحنة بالتضحية ولو بجزء من أرباحه المعتادة، وآخرون وقفوا ضد أبناء مجتمعهم وصاروا ينهشون من بدنهم بلا رأفة أو رحمة، لهؤلاء نقول: أنتم الأخسرون في هذه الحياة، فزيادة المال وتراكمه قد لا يفيدك، ويوماً ما تجد نفسك دليلاً لا أحد يريد مقاربتك، حتى ممن هم أقرب الناس إليك، فأقرب الناس هو من رحم الناس وقت الشدة.