آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

فرص من رحم الجائحة «1»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

حجرت ”كورونا“ نحو ملياري إنسان في بيوتهم، وأقفلت الأنشطة القائمة على تماس إنساني، وأخذ الشخص يتفادى الآخرين، أو مطلوب منه أن يتفاداهم. وأصدرت الدول تعليمات صارمة؛ تدعمها عقوبات، حتى يلتزم أفراد المجتمعات بالتباعد، وأصبح الحفاظ على التباعد الاجتماعي مطلبا، وبعد أن كان الانعزال عن الناس أمرا شاذا أصبح سائدا هذه الأيام، والسبب تفادي انتقال عدوى ”كورونا“. وتفادي العدوى أمر مطلوب - لا شك - يؤيده كل عاقل،

ولا سيما أن جائحة ”كورونا“ قدمت الأدلة على فتكها، بأنها وصلت إلى أكثر من 190 دولة، وألمت بنحو مليوني شخص، منهم 50 ألف حالة حرجة، وكانت سببا - بإرادة الله سبحانه - في موت 120 ألف شخص. ولا يزال شأوها بعيدا ومنحناها صاعدا، حتى الآن.

وهكذا، فما نعايشه في بلدنا من صرامة في تعليمات التباعد الاجتماعي، أصبح نمطا متبعا في معظم الدول، بل إن هذا التباعد ولد ديناميكية اجتماعية، اقتصادية، سياسية جديدة، ولنأخذ الجدل القائم في الولايات المتحدة بين الرئيس وبعض حكام الولايات الأمريكية بشأن عودة النشاط الاقتصادي، فالرئيس يقول بضرورة ذلك قريبا،

وهناك من يقول، ما زال الوقت مبكرا. أما اجتماعيا واقتصاديا، فيعايش العالم قصصا جديدة كل يوم، ما كانت تخطر على البال، منها ما ينطوي على استغلال مشين للتربح من الجائحة، مثلما فعله السيد أوكمان، الذي ظهر على قناة ”سي إن بي سي“ ليرجف، وبعدها بأيام حقق مكاسب قدرها 2,6 مليار دولار من استثمار قدره 27 مليون دولار!، ومنها ما يظهر أفضل ما في البشر من خصال الإيثار، من وضع مستثمر مستشفاه تحت تصرف الدولة، وتنازل بعض أصحاب العقارات عن إيجار شهر أو أشهر، ومبادرات تطوعية لإيصال الاحتياجات إلى المسنين وغير القادرين.

اقتصاديا، لا شك أن ما أحدثته جائحة ”كورونا“ قد أصاب المراكز المفصلية للاقتصاد العالمي. ومع ذلك، ما زالت الأسواق تخضع لآليات العرض والطلب. ولبيان النقطة، ففي حين تراجع سعر النفط بأكثر من النصف، في المقابل ارتفعت سلعة عصير البرتقال بأكثر من 20 في المائة. وعند التمعن، نجد أن السبب الأبرز لتراجع الطلب على الخدمات خصوصا، التي تمثل مساهمتها نحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، هو الحجر الناتج عن ضرورة مكوث الناس في بيوتهم للالتزام بالتباعد الاجتماعي كاحتراز لتجنب العدوى. ونتيجة هذا التغيير المستجد، ”قُمعَ“ الطلب على منتجات كثيرة. بمعنى، أن هناك رغبة لدى الزبائن في الشراء، لكن السلعة غير متاحة، ليس كونها غير موجودة، بل لتعذر وصول المشتري إليها... ”يتبع“.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى