آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

سنةٌ لا تستطيع محو ذاكرةَ زمن!

من المحتمل أن تغيبَ كثيرٌ من المظاهر الاجتماعية والدينية عن شهرِ رمضان في هذه السنة. لكن بغيابها سنةً واحدة لن تختفي من ذاكرتنا تلك المشاهد البديعة التي اعتدناها وحفظناها عشراتِ السنين. وبكل تأكيد سوف ننتظرها في السنةِ القادمة حين يكون شهر رمضان في سراياتِ فصل الربيع المَاطر فيغسل بغيثه ذكرى هذا العام وما خلفه من متاعبَ وكوارث. مررنا بأيام أشد قسوة وبأيامٍ أكثر رخاوة وها نحن بينهما نعيش.

كم سنة كان عمرك عندما بدأت تصوم شهر رمضان؟ لابد أنك صمتَ باكرا، ولعلك كما الكثير منا صمت قبل ان تتقنَ الصلاةَ وتعتاد على القيام بها!

يعود الشغف بالصوم منذ الصغر لوجود الحالة الجماعية والبهجة التي تتمثل في المشاركةِ العائلية والاجتماعية. حتى كبار السن الذين يهملونَ أداء الصلاة في بقيةِ الأشهر يسارعونَ لأدائها والصومَ في شهر رمضان، وقد كان معي في العمل من غير المسلمين من يُمسك عن الطعام في شهرِ رمضان امتثالا واحتراما للحالةِ الجماعية لغيره من المسلمين الصائمين.

سحر الحالات الجماعية في شهر رمضان المبارك عصي على النسيان، فهو يحتشد في ذاكرتنا ومنذ نعومة الأظافر، منذ أن يجلس صغيرنا في حجر الجد ينفش لحيته ينتظران معاً صوت المؤذن. يحتشد في العابِ الحارةِ الجماعية وشراء الأكل من صاحب الشواء في آخر الزقاق، وفي المساجد والمقاهي والملاعب، حالات جماعية في الدين والدنيا من الألفِ وحتى الياء.

كل جيل من البشر يصنع ذاكرته، فمَن مِن جيلنا لا يتذكر صاحب الطبل ”المسحراتي“ ينادي بالتهليل والأناشيد الدينية والصبية يجرون من خلفه؟ الآن حل مكانه المنبه الالكتروني واختفى المسحراتي من معظمِ الحارات والأحياء، لكنه بقي قابعا في ذاكرتنا الخلفية. هل تصدق أن التلفاز والمذياع له مكان في ذاكرة شهر رمضان، وصوت قذيفة المدفع لحظة مغيبِ الشمس معلنًا فك الصوم خلال شهر رمضان صداه لم يزل يتردد في رؤوسنا؟

ذاكرة شهر رمضان يحكمها المتغير من الاقتصاد والتعليم والتقنيات، تبقى حتى يأتي جيل آخر من البشر يقلب الصفحة ويكتب فيها ذكرياته أيضا.

ليست كل الذكريات في لونِ الزهر، فلن يتصور ابن اليوم الذي يشتري كل مقوماتِ الحياة معلبة من البقالة كم كانت المرأة تعاني من أجل إنضاج ولائم شهر رمضان. خميرة الخبز كانت شمس النهار، ولم يكن في البراد إن وجد أصلا إلا القليل من مكوناتِ الطعام. ولن يعرف كم كان الرجل يقاسي! شهر رمضان كان شهرا يعمل فيه الفلاح والبناء والمدرس والطالب دون رفاهية الحاضر من الزمن، تلك المعاناة نصلي ألا تعود وتبقى ذكراها شاهدا على جمال الماضي.

مستشار أعلى هندسة بترول