آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

توجس

محمد أحمد التاروتي *

يمثل التوجس عنصرا جامعا لجميع البشر مع تزايد عدوى كورونا، فقد رفعت هذه الجائحة كورونا من مؤشر القلق لدى الصغير قبل الكبير، نتيجة الغموض الحاصل في اتجاهات الوباء من جانب، وعدم القدرة على التنبؤ بالسيطرة على الفيروس من جانب اخر، وذلك بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها جميع الجهات الصحية، لطمأنة النفوس، وتهدئة المخاوف المتزايدة، عبر الكثير من الرسائل التوعوية والنشرات الإعلامية، خصوصا وان اثارة المخاوف تخلف تداعيات سلبية على البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان العمل الجاد لامتصاص المخاوف، يساعد في تسريع مساعي القضاء على الجائحة العالمية.

التوجس والخوف انعكاس طبيعي في انتشار الامراض المعدية والفتاكة، بيد ان حالة التوجس تصل للحالة القصوى في بعض الأوبئة الخطيرة، كما يحدث حاليا لدى مختلف الكيانات الاجتماعية، لاسيما والجميع في حالة حرب غير متكافئة من جميع الجوانب، فالعدو يتحرك بحرية مطلقة ويضرب في جميع الاتجاهات، جراء الافتقار الى الأسلحة القادرة على التصدي له، فالتعامل مع العدو المجهول ”الفيروس“ يحدث ارباكات شديدة النفوس، نظرا لصعوبة التعامل مع العدو ”الخفي“، بخلاف التعاطي مع العدو الظاهر، فالاول يصعب وضع معه الخطط المناسبة للقضاء عليه، نظرا لعدم ادراك الاليات المناسبة للقضاء عليه، فيما يسهل وضع الطرق الكفيلة للتصدي مع العدو المكشوف، وبالتالي فان حالة التوجس الظاهرة في الممارسات اليومية، لمختلف الشرائح الاجتماعية، ليست مستغربة ولكنها متوقعة، جراء طبيعة المرض القاتل والخطير، خصوصا وان الجميع يشاهد يوميا الضحايا في المستشفيات، دون القدرة على وقف نزيف الموتى في مختلف الدول العالمية.

ارتفاع منسوب التوجس ليس مطلوبا، نظرا لاثاره السلبية على الصحة العامة، وكذلك على السلوك الحياتي، سواء في المحيط الداخلي الصغير، او الوسط الاجتماعي الكبير، وبالتالي فان ممارسة الاعتدال في ضبط السلوكيات الحياتية، يمثل الخيار المناسب للتغلب على المخاوف غير المبررة، الناجمة عن فيروس كورونا، لاسيما وان البعض يحاول امساك ”السلم بالعرض“، مما يجعله غير قادر على ضبط ممارسته حياته بشكل طبيعي، الامر الذي يصيب الاخرين بحالة من الذعر، وينشر الامراض النفسية في المحيط القريب، وأحيانا في البيئة الاجتماعية الكبرى.

الاستهتار غير المسؤول يمثل خطورة كبرى على المحيط الاجتماعي، خصوصا وان حالة التهاون تحمل معها الكثير من التداعيات السلبية، بحيث لا تقتصر على الاطار الضيق، وانما تشمل دائرة واسعة للغاية، مما ينعكس على الصحة العامة وانتشار الامراض الوبائية في المجتمع، وبالتالي فان النظرة العقلانية تتطلب وضع الخيارات المناسبة، واتخاذ الحيطة والحذر، والابتعاد عن الخوف الزائد، او الاستهتار غير المسؤول، بمعنى اخر، فان التوجس من الإصابة بالمرض ظاهرة صحية، ولكنها تتحول الى حالة مرضية، بمجرد خروجها عن السيطرة، بحيث تتحول الى ”فوبيا“، تقضي على صاحبها أولا قبل الاخرين.

كورونا بما تحمله من خطورة كبيرة على حياة البشرية، تمثل اختبارا في قدرة المجتمعات على التعامل معها بالشكل المناسب، لاسيما وان التوجس الظاهر المسيطر على ستظهر تداعياتها في الفترة القادمة، الامر الذي يستدعي تسخير الجائحة بالطريقة المناسبة، من خلال الاستفادة منها بما يحقق الفائدة المرجوة للتاريخ البشري، خصوصا وان البقاء في مرحلة التوجس، والتردد من الانتقال الى مرحلة التعامل مع الجائحة، يشكل خطورة كبيرة في القدرة على التعامل بالطريقة المثالية، فالمرحلة الحالية تتطلب العمل لتجاوز تداعيات كورونا، وعدم الاستسلام للمخاوف والهواجس، التي تحد من الحركة وتعرقل الجهود الكبيرة الساعية، لتجاوز المرحلة الصعبة التي تعيشها البشرية في الوقت الراهن.

الاختيار المناسب للادوات القادرة لتحويل الهواجس الى عناصر قوة، يلعب دورا أساسيا في الخروج من جائحة كورونا باقل الخسائر، لاسيما وان فاتورة الخسائر ما تزال مفتوحة دون القدرة على اغلاقها، وبالتالي فان المرحلة الحالية بحاجة الى تقليل جحم الفواتير قبل اغلاقها بالشكل الكامل، فيما اظهار التوجس على التحرك العقلي يعرقل عملية السيطرة على فاتورة كورونا، ويفتح الطريق امام المزيد من الانتكاسات، سواء على الصعيد البشري او الثقافي اوالاقتصادي.

يبقى التوجس عنصر محرك بمجرد استخدامه بالطريقة الصحيحة، فيما يصبح آفة خطيرة تقضي على البيئة الاجتماعية، عندما يتحول الى ”فوبيا“ شاملة، وبالتالي فان الكيان الاجتماعي الواعي، يحرص على التوازن العقلاني في اظهار التوجس، بحيث يتحرك بالتوازي مع الجهود المبذولة، لمعالجة الازمة الطريقة السليمة.

كاتب صحفي