آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

{ولا تنازعوا فتفشلوا}

ياسين آل خليل

نحن نعيش عالمًا مُشْبَعًا بالخلافات. الناس على تنوع ثقافاتهم وتباين مستوياتهم التعليمية التقليدية، إلا أنّهم على خلاف حول كل شيء تقريبًا. نحن نعي، أنه في الوقت الذي يمكن لأي خلاف بين اثنين أن يكون خلافًا حضاريًا ينتهي بمكسب لكلا الطرفين، للأسف يخرج الطرفان في أي صراع كبر أو صغر بنهاية عكسية، إذ يَصل بهما المطاف إلى مستوى حاد من التوتر والغضب حدا لا يمكن تصوره، وذلك نتيجة لشعور أحدهما أو كليهما بالهزيمة أمام الآخر. أن تصل بعض الحالات إلى هذا المُنتهى، أمْرٌ يمكن قبوله من بعض الناس لعدة أسباب لا يتسع المقام للحديث عنها في هذه العجالة. السؤال، لماذا تصر بعض الأطراف على ديمومة النزاع..؟

لا أحد يتوقع أن يكون هناك من شخصين متفقين على كل شيء وعلى مدار الساعة. الاختلاف سُنّةٌ حياتية، المهم أن لا نحولها إلى خلاف دائم، يضر بكلا الطرفين. من الواضح أن اختلاف وجهات النظر والرؤى والرغبات هي منشأ الصراعات والنزاعات بين الأفراد. قد تبدوا بعض الخلافات تافهة في بداياتها، إلا أن العواطف عندما تُثار فإنها تتحول إلى طاقة تدميرية، وإذا ما أسيء استخدام تلك الطاقة، فإن باستطاعتها وفي وقت قصير، هدم ما أنجزه الإنسان في سنين.

واقع الناس الاجتماعي يشكي الغربة، العلاقات إلى مزيد من التفكك، هذا قبل أن يتفضل عليهم كورونا بعزلة جديدة تزيد من هُوّة التباعد. من المُضحك المُحزن، أنه رغمًا عن الجهود المبذولة لردم تلك الهوة، مازالت هناك الكثير من التساؤلات التي تُطرح حول جدوى تلك المحاولات أو صوابها؟ بناءُ علاقات مُتوازنة تحافظ على كيان النسيج المجتمعي وتحفظ كرامة الأفراد يتطلب نفوسا متواضعة وصدورا رحبة تتسع للكثير من سقطات البشر وهفواتهم.

بعض أصابع الاتهام في قضايا النزاعات تتوجه إلى التقنية التي لعبت دورًا بارزًا في تردي العلاقات، وبروز الخلافات بشكل واضح وجلي. اليوم لم يعد أي خلاف محصورًا بين الأطراف المعنيين أنفسهم وكفى، لأن هؤلاء لهم اتصالاتهم الدائمة مع أفراد آخرين، لهم وجهات نظر مغايرة ومؤثرة كما لهم أجنداتهم الخفية أيضًا. هذا بدوره يزيد الطين بلة، فيُؤجج روح الخلاف ويجعل المسألة أكثر صعوبة وتعقيدا. هذا بالفعل تحول كبير في تطور النزاعات التي نشهدها على المستوى الفردي والمجتمعي، والتي لم نتعود مواجهتها على الإطلاق، وإلى وقت ليس ببعيد.

الناس في فطرتهم قسمان، قسم يعتقد أن العالم بعد أن اجتاحه طاعون العصر ”كورونا“ عرف قدر نفسه وتعلم الدرس جيدًا وبدأ يرجع إلى ذاته وإنسانيته ويصلح ما أفسده في سنينه الأولى. القسم الآخر يصر على أن الإنسان هو الإنسان على مد التاريخ، وأنه لا يختلف عن قرينه في الخلق، ذلك المخلوق البشري الذي عاش قبل قرون مضت، واجتاحته الأمراض وابتلي بمختلف الكوارث. الأقوام السابقة شبيهة بما نشهده اليوم ونراه من تفاعل يعم مختلف الشعوب. ثلة قليلة من الأفراد يتفاعلون إيجابًا، فَيُبادرون بتغيير ما يلزم، ومعظمهم تنتابهم الغفلة دون أن يتمكنوا من رؤية واقعهم الراهن، أو حتى يتخلوا عن تفكيرهم الإقصائي والعدمي.

في ظل المتغيرات الحياتية الصعبة التي تمر بنا جميعًا، بات على ذوي الوجوه العابسة والقلوب الخالية من الود، والأنفس المُؤَججة للصراعات، أن تجد نفسها في غمرة عجزها عن مواجهة فيروس لا تلحظه العُيُون المجرّدة. بات على الجميع أن تكون لديهم الاستعدادية الصادقة في أن يتواضعوا لبعضهم البعض وأن يُؤَنْسنُوا ممارساتهم الذاتية التي طغت عليها الأنانية والنرجسية المدمّرة والمميتة.

ولما صار ود الناس خبا

جزيت على ابتسام بابتسام

وصرت أشك فيمن أصطفيه

لعلمي أنه بعض الأنام

*أبو الطيب المتنبي

ولأننا مقبلين على شهر رمضان، وهو شهر القرآن، أدعو نفسي قبل أن أدعوكم أن نتمعن في هذه الجزئية من الآية 46 من سورة الأنفال، وأن نأخذ منها العبرة والحكمة «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ».

رمضان كريم.. دمتم سالمين.