آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

تنبؤات درامية أم سينما متواطئة.. «9»

عبد العظيم شلي

في ظلمة الليل اختفى البرجان حسب مشهد فيلم ”رجل العنكبوت“، حجب الفيلم عن الأنظار لكنها رأت بأم أعينها اختفاء البرجين وللأبد، بعد أن أطاحت بهم الهجمات الإرهابية.

هذه نبؤة فيلم أم قراءة كف أو فنجان؟

تتشابك الأفلام مع بعضها البعض وتتباين في طريقة الطرح وتتفق حول رؤية واحدة، تدمير البرجين واقتلاعهما من على وجه الأرض، خيال دراما جسدها الإرهاب الأعمى سوادا في النور، وظلاما في القناديل.

أي ليل مر على نيويورك بعد الهجمات الإرهابية من صباح يوم الثلاثاء11 - 9 - 2001، مر ليلها كئيبا حزينا، مر على ساكنيها ثقيلا مأساويا، حسرة على من فقدوا أرواحهم بين الأنقاض والحطام.

كيف بدت المدينة من دون أبراجها العملاقة، منارة عالمية كبرى فقدت، معلما اقتصاديا ساد لثلاثة عقود نابضا بالحياة شامخا بلغة الدولار، وفي غمضة عين كل شيء ينهار، ذاكرة ترحل، ظل أهلها غير مستوعبين حجم الكارثة حتى باتت ذهنية التوجس والقلق تسيطران عليهم لزمن، يخافون من أي طائرة تحلق في سمائهم، يتساءلون هل ما أبصروه واقعا من خيال أم حلم مخيف من سينما الإيهام؟ سيف الإرهاب قطع الشك باليقين.

أفلام رسمت صورًا جهنمية للبرابرة القادمين من الشرق براياتهم السوداء، دراما أطعمت المجتمع الأمريكي خوفا وأسقتهم هواجس من ذعر، فالخطر الأخضر قادم بعد أن قبر الخطر الأحمر، خطر داهم يتربص بكم يا أهل المدينة.

تخمة دراما مبطنة بالجزع والقلق والريبة من الإسلاموفوبيا، سينزل بمدينتكم العقاب وسيعبث فيها الدمار والخراب، سيجتاحكم بنحر عظيم، هذا ما روّجت له أفلام وأفلام ومن أبرزها فيلم: The Siege - الحصار الذي عرض سنة 1998م، وتدور أحداثه حول مجموعة إرهابية مسلحة منتشرة في عموم نيويورك، في البدء أسرت ركاب حافلة وأخذتهم رهائن وتم تطويقهم من قبل الشرطة وقوات التدخل السريع، دارت محاولات لإقناعهم لكن دون جدوى، فما كان من الإرهابيين إلا تفجير الحافلة بمن فيها، بعد ذلك قامت الشرطة الفيدرالية بملاحقة فلول الإرهابين المنتشرين في مدينة نيويورك وحاولوا القبض عليهم واحتجازهم، ولكن بعد فترة كرر الإرهابيون عمليات أخرى، تفجير مسرح برادوي الذي كان مزدحمًا بصفوة المثقفين وأثرياء المدينة، وبعدها بمدة زمنية قصيرة دخلوا مدرسة ابتدائية واحتجزوا طلابها الصغار وتمت مداهمتهم وقتلهم، وعاودوا الكرة بتفجير مديرية الأمن الوقائي، ومع تزايد العمليات الإرهابية وتتابعها أمر الرئيس الأمريكي باستدعاء الجيش لإحكام سيطرته، دخل الجند المدينة بالمدرعات والعتاد والطائرات وفرضوا حصارًا شاملا على نيويورك وألقي القبض على الآلاف من العرب والمسلمين وتم حجزهم وحصارهم في ملعب كرة قدم بالقرب من جسر بروكلين حشروا حشرا في معسكر مسيج بالأسلاك الشائكة ومطوق بقوات الجيش.

لكن المفارقة في الفيلم أن جزءًا من السكان ذوي الأصول العرقية المختلفة، قاموا بمظاهرات حاشدة حاملين لافتات مكتوبة باللغة العربية وهم يهتفون ضد الجيش وتصنيف العرب، تدخل الجيش لإحكام السيطرة على الموقف، شاب عربي مطارد طوال الفيلم أوهم العميلة المزدوجة التي تبتزه في الفراش بأنه لن ولن يقوم بأي شيء وبدورها تبلغ المحقق الفيدرالي ”لن تكون هناك أية خلية على الإطلاق“.

في المشاهد الأخيرة توضأ الشاب من بركة حمام تركي كاشفا عن جسده وإذا به معبأ بالقنابل والأحزمة الناسفة ناويا تفجير نفسه ليحظى بعدها بمعاشرة الحور العين، لكنه حوصر في اللحظات الحرجة قبل تنفيذ العملية بلحظات وبعد مقاومة شرسة ماسكا العميلة من رقبتها «أنييت بينينج» رهينة بين يديه، وبعد معركة دامية قُتل الاثنان.

كان الجدل طوال الفيلم يتصاعد دراميا مع اتهمام المسلمين بأنهم مجتمع إرهاب، أحيانا دفاعا وأحيانا هجوما، قيل كلهم وقيل بعضهم، هذا يتعاطف وذاك يخونهم. وبعدما قتل جنرال الجيش سجينا عربيا بدم بارد ومن دون محاكمة، أبلغ المحقق المسؤولين بتقديم الجنرال للعدالة بحجة أن هذا التصرف يتنافى مع القيم الأمريكية المتحضرة، انتصر المحقق الفيدرالي ذو البشرة السمراء «دينزل واشنطن» لوجهة نظره وعند النهاية أفرج عن جميع المحاصرين في المعسكر.

رسائل عدة ومتفرقة ومتشابكة أرسلها فيلم الحصار. لكنه أثار حفيظة الجالية المسلمة في أمريكا ضد محتوى الفيلم وعارضوه بشدة لكن دون جدوى، صوتهم لم يكن مسموعًا بما فيه الكفاية.

تم تصوير الفيلم في مدينة نيويورك نفسها ولم يكن في حيز الاستديوهات المغلقة، وظهر في الفيلم لقطات للمساجد ولصوت الأذان ولأداء الصلاة جماعة ومقتطفات من الآيات وحوارات باللغة العربية وشتم وسب بألفاظ سوقية نابية، بعض من العرب شاركوا في التمثيل وأهمهم شخصية محورية لازمت رئيس قسم مكتب التحقيقات الفيدرالية هو الممثل المشهور وأحد أهم نجوم التليفزيون في أمريكا اللبناني طوني شلهوب الذي قام بدور مسلم شيعي؟ فلم يحبس الأنفاس من تواتر إيقاع المشاهد وكثرة التفجيرات، والترقب والهلع والصراخ والدماء والنحيب والمطاردات والتعقب والتحقق والموسيقي التي تلعب بالأعصاب طوال ساعتين إلا عشر دقائق.

أفلام من هذا النوع شحنت المجتمع الأمريكي وألبت الرأي العام لكره كل ما هو عربي ومسلم حتى لو أبدى الفيلم تعاطفا بصورة وأخرى لكن المحصلة أراد أن يقول بأن هؤلاء البشر مشاريع إرهابية موقوتة سرعان ما ستنفجر في أية لحظة.

وكم تعالت الأصوات المستقلة في أمريكا بعدم أخذ الكل بجريرة البعض، مناشدات عبر المنابر الإعلامية بأن الإرهاب متمثل في قلة قليلة من الشواذ لا تمثل العرب ولا المسلمين والإسلام منهم براء، وكم نادى مجموعة من المفكرين الأمريكيين بعدم اقتناعهم بأحداث 11 سبتمبر ونسبتها للمسلمين، ومن ضمنهم نعوم تشومسكي صاحب الكتاب الشهير من ”يحكم العالم“، وديفيد ديوك عضو مجلس النواب السابق والقانوني فرنسيس بويل، وويليام هنري بلوم صاحب كتاب ”الدول المارقة: دليل للقوة العظمى الوحيدة في العالم“، وكتابه الآخر ”قتل الأمل“، وفي مقابلة تليفزيونية بعد الهجمات قال: ”الخارجية الأمريكية هي التي تخلق إرهابيين مناهضين لها، إنها الأشياء التي تقوم بها تجاه العالم، وكما يخبرنا البيت الأبيض أنهم يكرهون حريتنا والديمقراطية، هذا مجرد دعاية“.

وهناك شخصيات عديدة لم تقتنع بالرواية الرسمية بأن من قام بالهجمات بمثل ما يروج له إعلاميا وسياسيا وسينمائيا بٱنه الإرهاب الإسلامي.

جواقل من الأصوات الهستيرية تهذي بجنون، بأن الانتقام قادم.

هكذا صورت تلك الأفلام التي شحنت النفوس طويلا وهيجت دماء الجند وجيشت القادة الذين عقدوا العزم لمحاربة بلدين في الشرق الأوسط ومن دون هوادة، هجمات 11 سبتمبر في نظر سدنة البيت الأبيض لن تمر دون عقاب، ستعاقب من جعلتهم مطايا لحروبها بالأمس القريب.