آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

مؤمن قريش.. أبو طالب

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.

أبو طالب عبد مناف وقيل عمران وقيل شيبة بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي ولد قبل ولادة النبيّ ﷺ بخمس وثلاثين سنة.

أُمّه السيّدة فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران، تزوّج أبو طالب السيّدة فاطمة بنت أسد، وهو أوّل هاشمي يتزوّج بهاشمية، فولدت له أكبر أبناءه من الذكور «طالب» وبه يُكنّى، وعقيل، وجعفر، وعلي. ومن الإناث: أُمّ هاني واسمها فاختة، وجمانة، وكان له زوجات أُخر غير فاطمة بنت أسد.

شيخ البطحاء مؤمن قريش، الدرع الواقي والسد المنيع والبطل الشجاع من بيت أنعم الله عليه أن شرفه بخدمة الإسلام والرسول ﷺ، لم يصل أحد إلى شرف ومكانة هذه العائلة الكريمة أحد في الذود بكل شجاعة وتضحية لا يدنوا منها أحد، نورا برز مدافع عن الرسول ﷺ، حيث تولى رعايته منذ نعومة أظفاره فكان المربي والحارس على امتداد أربعين عام، وعامل المصطفى الأكرم بالمحبة وأحاطه بالحنان يصحبه معه في كل مكان ولا يفارقه حتى في المنام مخافة عليه من الإغتيال ومن التعرض إلى الأذى، أنجب أبو طالب كوكبة من الأنوار أضاءت درب الرسالة بتضحياتهم وسمو مكانتهم وعلى رأسهم الإمام علي ، كتب عن أبو طالب النور المشرق والمؤمن الصادق الكثيرون من العلماء والكتاب والمفكرين لو جمع كل ما كتب لم يفي بحقه وهو يضم النبي ﷺ إلى صدره متعهدا له بحمايته من طغاة قريش المتربصين به، فقليلا أن يكتب تاريخه المشرف بماء الذهب، تقربا بهذا الحب إلى رسول الله وبحبهم رضا الله تعالى، كان سندا مند أن أعلن الرسول الأكرم عن رسالته، حماه من الأخطار المحدقة والمتربصة به، وقف بعزم الأبطال وشموخ الشجعان، في وجه جبروت يحكم بالنار والحديد مجموعة تحمل في قلبها الأحقاد تسيطر على مقاليد الأمور، كان لوجوده جنب النبي ﷺ دورا مهما في إنتصار الإسلام والذود عنه حتى إنتقاله للرفيق الأعلى، جاهد في أحلك الأوقات لقلة الناصر وكثرة الأعداء، آمن بما جاء به واعتقد مصدقا وتحمل في هذا الدرب المحن صابرا محتسبا، وربى جيل من أبناءه على هذا الدرب المشرف، عائلة اتسمت بالقيم والمثل العليا.

فكان أبناءها خير خلف لخير سلف، قدموا شهداء من أجل بقاء الإسلام، وهبوا حياتهم لله تعالى وقارعو الباطل فكان أبو طالب الرعيل الأول في تأسيس بنية الرسالة وكان الجيل الثاني المتمثل في الإمام علي في حفظ الرسالة والدفاع عنها، والجيل الثالث من هذه الأسرة الكريمة هم أحفاد أبو طالب أخدوا على عاتقهم بقاء واستمرار الرسالة الخالدة، فقدموا 28 شهيدا على أرض كربلاء المقدسة صرعى في أعظم تضحية لهذا البيت الطاهر الذي ملئ إيماناً من أحفاد أبي طالب، حتى قال عنهم الإمام الحسين :

«إني لا أعلم أصحابا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي».

وقال الرسول كذلك الكثير في فضل وعطاء الإمام أمير المؤمنين وما قدم من جهاد وعطاء من أجل الإسلام وختم حياته الشريفة شهيدا في محراب الصلاة في هذا الشهر الفضيل.

لهذه العائلة الكريمة اليد البيضاء على كل مسلم ومسلمة أن يحبهم وبحبهم يتقرب إلى الله تعالى، لا أن يجرح الرسول ﷺ بتلفيق الأحقاد والأضغان في حق من اعتبره الرسول ﷺ والده، فالإعتداء على مثل صاحب المكانة العظيمة عند الرسول ﷺ اعتداء على الرسول الأكرم.

قال تعالى: ﴿ألم يجدك يتيما فآوى

من آوى وتشرف بهذا الحفظ والإهتمام بكل تفاصيله الدقيقة من حياة الرسول كانت تتمثل في الرعاية الحنونة على يد أبو طالب وزوجته أمنة بنت أسد الصحابية الجليلة التي هاجرت من مكة إلى المدينة مشيا على الأقدام حبا للرسول ورسالته، عظيمة القدر والمنزلة عند الرسول ﷺ، في وجودهم لم يشعر النبي ﷺ قط باليتم.

بوفاة أبو طالب فقد الرسول الناصر القوي والشجاع المضحي والركن الشديد الذي كان يأوي إليه، قبل العام الثالث من الهجرة، في السابع من شهر رمضان المبارك، كانت وفاة مؤمن قريش وسيد البطحاء وبدأت مرحلة الظلم والجور من قبل أعداء الله ضد الرسول، وواصل الإمام علي الدور في الذود عن الرسول صلى الله عليه واآله.

ووقف النبيّ صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم على حافّة قبر عمّه حزينا وباكيا واجما، قد روى ثرى قبره بدموعه الطاهرة، وأخذ يصوغ من حزنه كلمات في تأبين إبن فقد والده قائلاً:

«وصلتك رحم يا عمّ، جزيت خيراً، فلقد ربّيت وكفلت صغيراً، وآزرت ونصرت كبيراً، أما والله يا عمّ لأستغفرنّ لك، وأشفعنّ فيك شفاعة يعجب منها الثّقلان...» وسمى الرسول العام الذي توفي فيه الرسول بعام الحزن.

وقال: «ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتّى مات أبو طالب»

انتقل هذا العملاق بعدما أدى الأمانة وإشتد عود الرسالة، وبدأت تنتشر بفضل من الله تعالى وما قام به أبو طالب من عمل يثاب عليه، وأصبح بعطائه مثالا للتضحية ونموذجا للشجاعة وبحبه سوف نتقرب لله تعالى.