آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

شهر المغفرة «8»

محمد أحمد التاروتي *

شهر رمضان احد مصاديق رحمة الله الواسعة والدائمة على عباده، من خلال فتح أبواب السماء امام الصائم، لنيل الثواب والتقرب الى الخالق بالعبادة، خصوصا وان الفسحة الزمنية للشهر الفضيل قصيرة بالقياس الى اشهر السنة، مما يستدعي تحريك النفوس الإنسانية باتجاه التوجه الى الباري، عبر الالتزام بالعبادات على اختلافها، بهدف استغلال هذه الفترة الزمنية القصيرة والاستثنائية، لاسيما وان أبواب الرحمة تفتح على مصراعيها وتغلق أبواب النيران، ”. فَيا ذَا الْمَنِّ وَلا يُمَنُّ عَلَيْكَ، مُنَّ عَلَيَّ بِفَكاكِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ فيمَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ، وَاَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ“.

الاستغلال الأمثل للفسحة الزمنية المحدودة، ليس قاصرا على عبادات محددة، فكل اعمال الخير قادرة على وضع الانسان في المسار الصحيح، بهدف الابتعاد عن أبواب النيران من جانب، والاقتراب خطوات عديدة من أبواب الجنان، فالمرء مطالب بالاجتهاد قدر المستطاع للحصول على الثمرة الطيبة، خلال ساعات الصيام وكذلك الليالي التي تمر مر السحاب، بمعنى اخر، فان محاولة وضع تصورات هادفة لصقل الذات بطريقة محددة، عنصر أساسي للاستثمار الأمثل للشهر الفضيل، مما ينعكس بصورة مباشرة على منهجية التفكير، في جميع المجالات الحياتية، فالصائم قادر على تحديد الكثير من الخيارات، ولكنها تصب في خانة ”اغفر لي تلك الذنوب العظام فانه لا يغفرها غيرك يا رحمان يا علام“.

عملية التقرب الى الخالق ليست منفصلة، عن توفير الأسباب للانخراط، بقوة في العبادات على اختلافها، فالتوفيق الإلهي يمثل مدخلا أساسيا للشروع، في مختلف الممارسات العبادية طوال الشهر الكريم ”فإنّ الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم“، وبالتالي فان المرء يتحرك وفقا للتوفق الرباني، في التقرب الى الخالق على مدار الساعة، الامر الذي يتمثل في الكثير من اعمال الخير، سواء على الصعيد الشخصي او الاطار الاجتماعي، لاسيما وان الكثير من الاعمال الفاقدة للتوفيق الرباني تذهب هباء منثورا، ”لا تكلني الى نفسي طرفة عين ابدا“، فالبقاء في الحياة لادراك شهر المغفرة من احدى التوفيقات الإلهية، لاسيما وان الكثير لم يوفق لهذه النعمة سواء نتيجة الانتقال الى دار الاخرة، او عدم القدرة على الصيام بطريقة او باخرى.

وجود الانسان بصحة وعافية نعمة الهية، لا تقدر بثمن على الاطلاق، فهذه الصحة تمثل المدخل الأساسي، لطرق أبواب الجنان عبر صيام شهر رمضان، خصوصا وان العبادة تتطلب بعض القوة والقدرة على القيام، بأداء الواجبات والعبادات على احسن وجه، بينما يوجد أناس كثر غير قادرين على القيام بالعبادات، نتيجة الامراض وفقدان القدرة على أداء العبادات، ”اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل“، و”نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ“، الامر الذي يتطلب استغلال هذه النعمة، للاستفادة من فسحة شهر رمضان المبارك، للحصول على المغفرة والرضوان.

تجديد العلاقة مع الخالق يتطلب بدوره توفيقا الهيا، وكذلك إرادة صلبة ورغبة صادقة، حيث يشكل رمضان فرصة كبرى لمحاولة الانسلاخ الكامل من المسيرة الحياتية السابقة، بهدف الانطلاق بروح جديدة للتحليق باتجاه رضوان الخالق، خصوصا وان المحطات الحياتية تشكل أحيانا محركا أساسيا، لاحداث تغييرات جذرية في طريقة التفكير، واليات العمل العبادي، نظرا لوجود الكثير من المحطات المظلمة، مما يستدعي استبدال تلك المحطات المظلمة، باخرى قادرة على تصحيح سجل الثواب الاخروي، باعتباره الرصيد الدائم لنيل رضوان الخالق في الدينا والاخرة.

أبواب الجنان والسماء ستبقى مفتوحة على الدوام امام الانسان، للارتقاء بروحه نحو الخالق، ولكن تلك الابواب تفتح بصورة اكبر خلال شهر رمضان المبارك، بهدف استقبال اعمال العباد في شهر الله، مما يدفع الصائم للاجتهاد في العبادة للاستفادة من رحمة الله الواسعة، لاسيما ان شهر رمضان ليس كغيره من الشهور، مما يجعله يحظى بمكانة خاصة من كافة الجوانب، حيث تشاهد التحولات الكبيرة المتزامنة، مع شهر المغفرة منذ دخوله حتى نهايته.

"أيُّها النّاس، إنَّ هذا الشّهر شهرٌ فضَّله الله على سائر الشُّهور كَفَضْلِنا أهلَ البيت على سائر النّاس. وهو شهرٌ يفتَح فيه أبواب السَّماء وأبواب الرّحمة ويُغلق فيه أبواب النِّيران".

كاتب صحفي