آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

شهر المغفرة «14»

محمد أحمد التاروتي *

البرنامج اليومي يكشف القدرة على تطويع الزمن، لتعظيم الفائدة على الصعيد الشخصي، فالمرء قادر على توظيف اللحظات بالشكل الصحيح، في استخدمت بالطريقة الملائمة والمثالية، مما ينعكس على النضوج الذاتي، والحصول على الفائدة العظمى، خصوصا وان النظرة لساعات اليوم تحدث الفرق في مدى الاستفادة منها، بما يحقق الأهداف الشخصية، واحداث الفروقات بشكل مستمر، ”من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة“، وبالتال فان لحظة الزمن تمثل جزء أساسيا من حياة الفرد، مما يستوجب التحرك باتجاه بما يعود المنفعة الحقيقية.

عملية الاستفادة من البرنامج اليومي، تختلف باختلاف الأهداف، والتطلعات، والاهتمامات، نظرا لتفاوت النظرة الى الأمور الحياتية، الامر الذي يفسر اتساع دائرة الاهتمام اليومي لدى جميع البشر، فالاتفاق على نظام موحد ليس واردا على الاطلاق، نظرا لصعوبة توحيد التطلعات، وانصهار الأهداف البشرية، نظرا لتوزع الأدوار الحياتية، واختلاف المستويات الثقافية الحاكمة، في عملية التحرك لاقتطاع جزء من الزمن، بما يعود بالفائدة على الصعيد الفردي، ”الوقت كالسيف ان لم تقطعه كقطعك“ وبالتالي فان العملية مرهونة بمدى الاستفادة من اللحظة الزمنية، والقدرة على توظيفها بالشكل المطلوب.

محاولة توظيف الساعات اليومية عملية متاحة للجميع، خصوصا وان الإرادة تمثل الفارق الاساسي في التحكم في الساعات بشكل مثالي، وبالتالي فان المرء الذي يضع اهداف حياتيه يتحرك وفقا لها بشكل مستمر، الامر الذي ينعكس على تعظيم الفائدة من الزمن، بمعنى اخر، فان الموقف المتفرج على ضياع الزمن، ينم عن قصور في التفكير، وعدم مبالاة بتطوير الذات، مما يعطي انطباعات بالافتقار الى الطموح الشخصي، والاقتناع بالمستوى المتواضع، وانعدام الهمة العالية، فهناك فئات لا تقبل سوى الجلوس في المقدمة، فيما بعض الفئات ترضى بالجلوس في المقاعد الخلفية، وبالتالي فان الفرق يكمن في الطموحات الكبرى، مما يحفزها على مداومة العمل، والاستفادة من الزمن بالشكل المناسب، للحصول على الثمرة في نهاية المطاف.

شهر رمضان فرصة نادرة، لتطويع الفسحة الزمنية بالشكل المناسب، خصوصا وان البرنامج في شهر المغفرة، يختلف تماما عن البرامج في الشهور الأخرى، مما يستدعي الاجتهاد والحرص على الاستفادة، من اللحظات الربانية بالطريقة المثلى، ”إن الشقي حق الشقي من خرج عنه هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه فحينئذ يخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم“، وبالتالي فان البرنامج اليومي للصائم يمثل العلامة الفارقة، في ادراك أهمية شهر التوبة، على الصعيد الذاتي، فهناك برامج اعتيادية، بحيث لا تحدث اثرا ملموسا على الصعيد الشخصي، او احداث تحولات جوهرية بشكل يومي، مما يشكل خسارة كبرى في تطويع الشهر الكريم بالطريقة المطلوبة ”ان الله جل جلاله يقول كل ليلة من هذا الشهر: وعزتي وجلالي لقد أمرت ملائكتي بفتح أبواب سماواتي للداعين من عبادي وإمائي فمالي أرى عبدي الغافل ساهيا عني“.

من الصعوبة بمكان وضع قوالب معلبة، للبرامج اليومية لشهر رمضان، نظرا لاختلاف التوجهات الفكرية، والاهتمامات الثقافية، والممارسات العبادية ”ولا يكونن شهر رمضان يوم صومكم كيوم فطركم“، وبالتالي فان المرء قادر على تسخير ساعات شهر رمضان بالطريقة المناسبة، خصوصا وان الهدف الاسمى يتمثل في اكتساب المعاني الروحية، التي توزع منذ اليوم الأول لدخول شهر المغفرة والتوبة، مما يستدعي التحرك منذ دخول شهر الله، لوضع برنامج خاص قادر على احداث الأثر المطلوب، حتى نهاية الشهر الكريم، بيد ان المشكلة تكمن في نوعية البرامج المخصصة، فهناك بعض البرامج ليست قادرة على تحريك الانسان بالاتجاه الصحيح، نظرا للتركيز على بعض الأشياء غير الجوهرية، فيما يوفق البعض الاخر في الاختيار المناسب، مما ينعكس على الذات بشكل مستمر، وبالتالي فان المرء مطالب بالتحرك الحقيقي مع الفوائد الكبرى لشهر رمضان، ”المرء خصيم نفسه“ ”قيمة كل امرئ ما يحسن“.

بكلمة، فان البرنامج اليومي للصائم، بمثابة البوصلة القادرة، على توجيه التفكير السليم، فالعبادات، والادعية اليومية، أدوات لرسم خارطة طريق، للاستغلال الأمثل للشهر الكريم، مما يسهم في توظيف ساعات الصيام، بما يعود على الصائم بالفائدة، والثواب العظيم.

"أيُّها الصَّائم تدبَّر أمرَك، فإنَّك في شهرِك هذا ضيفُ ربِّك، أُنظر كيف تكون في ليلِك ونهارِك، وييف تحفظُ جوارحَك عن معاصي ربِّك".

كاتب صحفي