آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

شهر المغفرة «22»

محمد أحمد التاروتي *

كيف تكون ساعات شهر رمضان افضل الساعات؟ وهل تختلف دقائق الساعة الواحدة عنها في الأشهر الأخرى؟ وهل يشعر الصائم بفضل ساعات رمضان عن غيرها من بقية الأشهر؟ وما هي العبرة من فضل شهر رمضان على بقية الشهور الأخرى؟

لا ريب ان شهر رمضان المبارك من افضل اشهر السنة، حيث يمتاز بعناية خاصة من الخالق ”الصوم لي وأنا أجزي عليه“، ”كل عمل ابن آدم هو له، غير الصيام هو لي وأنا أجزي به“، فضلا عن كون شهر رمضان حلقة عبادية قوية، لتعزيز العلاقة الروحانية مع الخالق، مما يجعله اكثر جاذبية وشوقا للجميع، فالكل يشتاق لاستقبال أيام الصيام، كما ان انتهاءه يترك حسرة كبرى، بانقضائه بسرعة كبيرة، خصوصا وان بركات الشهر الكريم تشمل الجميع، مما يحدث حالة من اللوعة من انتهاء شهر المغفرة والرضوان، ”وعملكم فيه مقبول، ودعاءكم فيه مستجاب.“.

الصائم يكون في عبادة دائمة طوال ساعات النهار، مما يجعل عداد الاجر والثواب في دوران مستمر لزيادة الرصيد الاخروي، فالمسلم يكون في علاقة مستمرة مع الخالق خلال ساعات الصيام، الامر الذي يظهر حرص الصائم على جميع تصرفاته وسلوكياته، سواء في السر والعلن، وبالتالي فان الابتعاد عن المعاصي والاقبال على اعمال الخير، يمثل احدى الثمار الكبيرة لساعات شهر الصيام، خصوصا وان عملية الصيام تتجاوز بعض الممارسات الضيقة، لتدخل في الكثير من السلوكيات الخاصة، والممارسات العامة ”أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة“.

عدد الدقائق في اليوم اليوم الواحد، لا تختلف سواء في شهر رمضان، او غيره من الشهور، بيد ان الاختلاف في الاليات المتبعة في تطويع تلك الساعات، في العبادة بمختلف اشكالها، مما يجعل الساعات افضل للمرء من الدقائق في الأشهر الأخرى، ”فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة ان يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم“، فالانسان يحاول في شهر رمضان وضع اطار عملي، لانجاز الكثير من الاعمال على الصعيد الذاتي، وكذلك محاولة الخروج من الحالة الانانية، للانطلاق في سماء المحيط الاجتماعي الواسع، مما يجعل الاستفادة من عامل الوقت اجدى، من خلال الاستغلال في بقية الأشهر أحيانا كثيرة، وبالتالي فان التحرك الجاد لاحداث تحولات جذرية، في الاستغلال المناسب لساعات الصيام، يمثل تجسيدا عمليا لتفضيل ساعات شهر رمضان، على غيره من اشهر السنة ”عبادَ الله، إنَّ شهرَكم ليس كالشُّهور؛ أيّامُه أفضلُ الأيّام ولياليه أفضلُ اللّيالي وساعاتُه أفضلُ السّاعات“.

الاستعداد النفسي يشكل احد المخفزات الأساسية، للاستفادة من ساعات الصيام، فالعملية مرتبطة بالقابلية الذاتية للتحرك بالاتجاه الإيجابي، فيما يتعلق بالاستفادة من عامل الوقت بما يعود بالفائدة الدنيوية والاخروية، خصوصا وان شهر رمضان يحفز على العمل، بما يرضي الله في جميع حركات وسكنات الصائم، نظرا لكون المسلم على مقربة من الخالق خلال ساعات الصيام، وبالتالي فان وجود الاستعداد النفسي يحرك الذات في مختلف المجالات، التي تصب في خانة نيل رضون الله واجتناب المعاصي، لاسيما وان الصائم يعمل بالانسجام مع المعاني العميقة، لعبادة الصيام لمدة شهر كامل " هو شهرٌ الشّياطينُ فيه مغلولةٌ محبوسَة، هو شهرٌ يزيدُ الله فيه الأرزاقَ والآجالَ، ويَكتب فيه وَفْدَ بيتِهِ.

العبرة في قطف ثمار الصيام في الانعكاسات على الصعيد الشخصي، فكلما كانت الانعكاسات عميقة معنويا وماديا، كلما تجسدت ”ساعاته افضل الساعات“، فالمرء مرهون باخلاقياته واعماله، في المحيط الاسري، والبيئة الاجتماعية، وبالتالي فان صقل الذات والتخلص من السلوكيات الخاطئة، يمثل احد تلك الثمار الكبيرة لشهر رمضان المبارك، لاسيما وان البعض يخرج مع نهاية الشهر الكريم، بحصيلة وافرة من النتائج من الناحية المعنوية، والسلوكيات الشخصية، نتيجة الاستثمار الأمثل لساعات شهر المغفرة بالطريقة المناسبة، بعيدا عن المفهوم التقليدي للتعاطي مع شهر التوبة والغفران، بحيث يسهم في صياغة الكثير من المفاهيم السابقة، نظرا للتعامل مع فريضة الصيام بطريقة مغايرة تماما، عن الاطار المتعارف عليه لدى بعض الشرائح الاجتماعية.

"عبادَ الله، إنَّ شهرَكم ليس كالشُّهور؛ أيّامُه أفضلُ الأيّام ولياليه أفضلُ اللّيالي وساعاتُه أفضلُ السّاعات، هو شهرٌ الشّياطينُ فيه مغلولةٌ محبوسَة، هو شهرٌ يزيدُ الله فيه الأرزاقَ والآجالَ، ويَكتب فيه وَفْدَ بيتِهِ، وهو شهرٌ يقبل أهل الأيمان بالمغفرة والرّضوان والرَّوْح والرَّيحان ومرضاتِ الملِك الديَّان".

كاتب صحفي