آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

عالمنا العربي

عبد الرزاق الكوي

يضع وباء كورونا العالم في موقف صعب ومن المتأثرين بشكل لا يستهان به عالمنا العربي، حيث يعيش تحدي صحي في ظل الوباء وانعكاساته على الحالة الاقتصادية على نطاق الدولة والفرد، بات واضحًا مدى تأثيره على التنمية والركود وتراجع النمو الاقتصادي.

يقول الشاعر جبران خليل جبران:

«شيئان يغيران نظرتك للحياة المرض والغربة»

وهذا ما يبتلى به العالم العربي غربة في أصقاع العالم، وغربة داخل الأوطان بالتهجير والتشريد والنزوح وزاد الطين بله ضيفًا ثقيلا كورونا ليكمل المعاناة.

من لم يمت بالسيف مات بغيره. تعددت الأسباب والموت واحد

فمن ابتلى بغربة التشريد والنزوح والتهجير وما يرافق هذه الغربة القاسية والمعاناة من فقر وقلة حيلة، جاءه الوباء ليقضي على كل آماله بحياة شبه كريمة.

فالملايين في العالم العربي يفترسهم الفقر والجوع والتهجير وواقعهم يزداد سوءً يوما بعد يوم، في ظل ظروف وواقع لا يسر يعيشه العالم العربي وضع اقتصادي مترد ومعيشي شيء وبنية تحتية متهالكة واعتماده على أكثر احتياجاته حتى غير الضرورية الخارج ويمكن صناعتها محليا بدون الحاجة للخارج، من مستلزمات صحية وغذائية وضروريات كثيرة لا تعد ولا تحصى.

كان يا ما كان في قديم الدهر والزمان أن بعض الدول العربية تحقق بعض الإكتفاءات الذاتية من مواد غذائية وحرف يدوية وانتهى كل ذلك وأصبح في خبر كان، هل حصل ذلك صدفة أو بفعل فاعل حتى يصبح العالم العربي تحت رحمة الغير في جميع مستلزماته الحياتية.

فهذا وباء كورونا يهبط على الأرض العربية التي لم ينقصها الضيوف، فيكفيها ما يوجد بها من فقر وجوع وبطالة وتشريد وحروب، في ظل واقع عربي ضعيف وعدم وجود هيئات تستطيع تطويقا ومعالجة مثل هذه الكوارث، زاد وباء كورونا الأمور تعقيدا، فهذه الكوارث مرتبطة بالإنسان وتطور البلد تقع على كاهله، فإذا كان مغيب ودوره مهمش بل في الدرك الأسفل من السوء، فعلي الدنيا السلام.

فقد كان الإنسان العربي يشتكي من الوضع الاقتصادي، اليوم برز الواقع الصحي ليأخذ الجو ويزيد الطين بلها، فالمرحلة تحتاج المزيد من الإمكانيات المالية لأن النظام الصحي ليس بالطاقة والفاعلية والجاهزية ويحتاج مجمل الوضع إلى إمكانيات ضخمة لمواكبة تداعيات الوباء الصحية وأثره على الوضع الاقتصادي التي تصل أرقامه إلى تريليونات من الدولارات فقد تعطلت السياحة وأغلقت الفنادق وتوقفت المصانع وكثير من الأماكن مما فاقم الوضع والخسائر وتراكم الديون بالمليارات، وكثير من الدول تجري محادثات للحصول على قروض بمليارات الدولارات مما يضع الدول في مأزق التسديد وتسديد الفوائد، ولا أحد يستطيع معرفة متى ينتهي هذا الوباء، والتكاليف ترتفع كل يوم من عمر الوباء.

عند إلقاء نظرة عابرة على الدول العربية اليوم لا يوجد مكان للتفاؤل وحتى لو فتح لها كتاب وتكفل الجميع بالدعاء يحتار الجميع في هذا الوضع، عالم متفكك الجميع يعمل حسب مصالح شخصية بدون نظرة للمشاركة من أجل تحسن الأوضاع، والعمل حسب مشتركات تخدم الصالح العام وليس المصالح الفردية التي أظهرت فشلها. فالحالة الاقتصادية في الوطن العربي تحتاج نظرة ثاقبة بأن الاقتصاد هو قمة الأمن القومي للدول، والتعاون بين الدول العربية أصبح حاجة ماسة بوضع إستراتيجيات متكاملة واضحة المعالم، وتدابير لمعالجة الأوضاع المتردية والاقتصاد المتهالك والفساد المستشري والمحسوبيات المسيطرة والحروب المفتعلة والبطالة المتزايدة والفقر المنتشر، كان كل ذلك معاناة قبل الوباء، أما بعد الوباء تزايد الأمر سوء.

فالسياحة فقدت ثمانين في المائة من قوتها والأسواق تأثرت والقيمة الشرائية انخفضت، ووسائل النقل تراجعت فالخسائر بالتريليونات، وما يقارب المليونين سيفقدون فرصة عمل، وأكثر من ثلاثمائة مليار خسائر الاقتصاد وترتفع الديون إلى ما يقارب مائة وتسعون مليار دولار خلال العام الحالي لتصل إلى ما يقارب تريليون ونصف مجمل الديون، كل ذلك يشكل عبء اقتصادي الدول العربية ليست مهيئة له، فالدول العربية بحاجة ماسة للنظر في الوضع الاقتصادي المتردي، بتعزيز توجهاتها على نطاق فردي على نطاق البلد وجماعي بالعلاقات الاقتصادية مع مجمل الدول العربية وترك الخلافات السياسية جانبا والتفكير في عقد المعاهدات الجوانب الأمنية فقط، إلى التفكير في معاهدات واتفاقات زراعية وصناعية وتجارية وغذائية وصحية حتى لا تبقى الدول العربية تحت رحمة الدول الصناعية وشروطها المجحفة وتأثيراتها الجانبية وطلباتها الخاصة، فالتعاون والتنسيق والتواصل في هذه المرحلة من الضروريات للدول وشعوبها الذي أنهكته البطالة وأتعبه الفقر.

تفعيل الجانب الزراعي وتشجيع بناء صناعات مشتركة والبدء بحرف ولوازم بسيطة تنمي الاقتصاد وتقلل من البطالة وتخفض من مستوى الفقر، أن تكون الأولوية لمعالجة الوضع الاقتصادي على الخلافات السياسية المستفيد منها ومن استمرارها دول من مصلحتها بقاء الحال على وضعه من أجل رواج اقتصادهم مما يؤثر ويستخدم كضغوط سياسية لتغيير مواقف وبناء تحالفات على الدول العربية.

أماكن صالحة للزراعة موجودة في بعض الدول يمكن الاستفادة منها وتوجد دول ذات كثافة سكانية يمكن الاستفادة منها في مشاريع صناعية من أدوية وألبسة وأغذية وأدوات منزلية ومواد البناء، وتوجد ثروات بحرية ونفطية إذا تكافل الجميع قوى المجتمع وازدهر الاقتصاد وقلت التبعية، بتنوع الإنتاج من أجل توفير الحد الأدنى من السلع الضرورية والاستهلاكية.

تصور أن تغلق الطرق البحرية وتتوقف السفن من الإبحار بسبب أوبئة أو غير ذلك، فماذا سيكون وضع الدول العربية.

دول كثيرة تدمر اقتصادها والبنية التحتية في الحرب العالمية الثانية ونهضت وكافحت بكل إصرار وعزيمة حتى أصبحت من أقوى اقتصادات العالم، ولا ننسى تجارب ماليزيا وسنغافورة وإندونسيا ليس عندها اكتفاء ذاتي فقط بل تصدر للخارج مما عزز مكانتها ورفاهية شعبها، فالاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين من أجل الخروج من الوضع المأساوي إلى واقع أفضل حاجة ماسة، فعدد سكان العالم العربي بلغ تقريبا أربع مائة وخمس وثلاثون مليون وفي تزايد وأغلبهم في مرحلة الشباب محتاجين للعمل وبناء مستقبل أفضل ووضع معيشي يلبي أبسط متطلباتهم.

الأمل أن تفيق الدول العربية من سباتها لتفادي الأسوأ، وأن تملك أمر اقتصادها بيدها عن طريق تنويع اقتصادياتها والخروج من حلقة التبعية فلا تنقصها الكفاءات بل ما ينقص هي الإرادة.