آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

مفارقات من زمن الكورونا

فاطمة آل سيف

«طافت أرقامٌ في ذاكرته، وقال لنفسه في الثلاثين مرة التي انتشر فيها وباء الطاعون بشكل كبير في التاريخ، حصد ما يقارب المائة مليون ميت.. ولكن ما معنى مائة مليون ميت عندما تشن حربٌ بالكاد يدركون معنى ميت!؟ وبما أن الرجل الميت ليس له وزناً إلا عندما يُرى ميتاً، فإن المائة مليون جثة المزروعة في التاريخ، ليست سوى دخاناً في المخيلة» جورج اورويل

غدت الأيديولوجيا سمة خاصة وعلامة فارقة تميز المهزومين لدى الغالبين، لذلك تعتبر الصين هذا اليوم بلداً مغلوب على أمره أيديولوجياً، بالرغم من أنها كانت قوة اقتصادية عظمى تنافس الدول الكبرى. ظهرت الأيديولوجيا بعد انهيار الشيوعية - التي تؤدي بحسب منظريها لإنهاء الطبقية - مما أدى إلى اشتهار تصريح لأحد العاملين في حلف شمال الأطلسي واصفاً الإسلام بالعدو الأخضر للغرب بدلاً من الشيوعية «الأحمر»، وعمدت مجلة ألمانية متخصصة في الدراسات الاستراتيجية إلى توضيح الأمر بشكل أدق، مبينةً ذلك من خلال "تبديل العدو بعدو آخر، فكرة تم بلورتها في أشهر سابقة معدودة، فقيل: إن الزحف العراقي على دولة الكويت كان المتسبب بالرغم من انه لم يكن كذلك؛ فمع سقوط الدولة الشيوعية بدأ حلف الناتو البحث عن استراتيجية جديدة واتجاه آخر، حيث كان هنري كسينجر «وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي» المتسلط خلال تلك الأزمة، فأعلن في مؤتمر غرف التجارة: الإسلام العربي هو العدو الجديد أو العدو القادم. كما رفع تشيني في عهد جورج الأب شعاراً يقول: الإسلام العدو البديل.

حتى صارت الحرب العالمية الثالثة على مقربة منا، بل إنها قائمة على عروشها بيننا، في الكثير من الدول العربية والأجنبية، وباءٌ عالمي تم استخدامه كسلاح بيولوجي بات فتاكاً، فهو حصد في الصين فقط ما يقارب الأربعين ألف حالة! انتشر منها إلى إيران ومن ثم إلى بقية الدول بين الوطن العربي وأوروبا، تتضاعف أعداد المصابين بشكل مهول - لا يمكن أن يتصوره العقل أبداً - ليصبح عدواً لدوداً لكل البلدان، بل لكل إنسان على وجه المعمورة.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف لفايروس ضئيل لهذه الدرجة لا يُرى بالعين المجردة ينتقل بهذه الصورة الغريبة، عبر لقاء أو حتى رسالة؟ سلام وتلامس بين شخصين كفيل بأن يقتل عدد لا حصر له من البشر، ولكن المفارقات تكمن في تعامل الدول مع هذا الفايروس، فهناك من الدول التي احتاطت قبل أن تحل عليها لعناته والعكس صحيح، كإيطاليا مثلاً - أبرز تصوير لهذه العذابات المتتالية - عندما يتجاهل الأشخاص التعليمات الصحية سيقرؤون على أنفسهم الفاتحة لا محالة.

كيف للعالم أن يكون بشعاً لهذه الدرجة، كيف لوحوش بشرية الاستيلاء على العالم وتحريكه من منظومتها وكيف لهيئات حقوق الإنسان السكوت عن كل هذا الظلم والقهر بحق الشعوب!؟

يُقتل المرء بدم بارد ولا أحد يحرك ساكناً، يموتون من البرد والجوع والفقر والأسى تحت صواريخ وقذائف ونيران وحرائق وابتلاءات كثيرة، في هذا الزمان ماتت الإنسانية من القلوب وغادرت بلا عودة، ذهبت في طيات النسيان تنشدُ الغفران عن قلوب كالحجر سكنتها.

يا أيها الشهداء وكل المظلومين بهذه الحياة، سيبقى صدى أصواتكم مدوياً ما بين أروقة الزمن نشيداً وشعراً يبحثُ عن الخلاص والانتصار، ولكنه حتماً سيتحقق «إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ» الإنعام: 134

مفارقاتٌ في زمن الكورونا ظهرت عياناً بيننا، إلا أن الكثير من الأشخاص لم يدركوا بعد هذه المعاناة الإنسانية التي ربما تقود إلى تطهير النفوس استعداداً إلى التكامل والانطلاق نحو الحياة الحقيقية التي أوصانا الله بإعمارها، فبين السلام والحب والإنسانية يكمن الإنسان الحقيقي.

اجعلوا من ذروة الأحداث في مسلسل حياتكم والهجوم على الوسط الساكن لمحة مثالية للتغيير والمُضي نحو الخير في كل الطرقات، اهربوا إلى حيث الحياة النقية والمطمئنة، حاربوا من أجل أحلامكم لتكسبوها، انطلقوا إلى عهد جديد من الأمل، فنحنُ محكومون به، وتذكروا جيداً قول الشاعر الذي يقول: «إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر».