آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الإحتكار.. من أمن العقوبة

عبد الرزاق الكوي

الإحتكار هو حبس مال أو سلعة أو خدمة أو علاج والإمتناع عن بيعه أو بدله حتى ينقطع عن السوق ويرتفع سعره مع الحاجة الماسة والضرورية له ويسبب أضرار وتضييق الحياة على المحتاجين لهذه السلعة أو الخدمة مع عدم وجود بديل لها، فهذه مشكلة وإجرام في حق الإنسانية سواء كانت على مستوى عالمي أو محلي وهذا ما يعاني منه العالم أجمع، كذلك ما تقوم به مصانع ومؤسسات إنتاجية أو مجموعة أفراد أجل مشاريعها الإحتكارية ببيع منتجاتها في بلد ما بسعر أقل عما هو موجود في السوق المحلي، مما يسبب بضعف وخروج المنتج المحلي وسيطرة أصحاب الفكر الإحتكاري على مقاليد السوق في تلك الدولة واحتكار منتجاتها وبالتالي المزيد من النفوذ والتحكم، ولا يبقى لها منافس بحيث تتحكم بالسعر، وهذا يتم عن طريق مؤسسة أو مجموعة مؤسسات أو مجموعة أفراد بالتحالف والتضامن من أجل تكوين لوبي تحتكر سلعة أو سلع معينة، وتزيد مثل هذه المشكلات في أوقات الحروب وانتشار الأوبئة والأزمات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويشاهد الآن بسبب أزمة وباء كورونا بروز لافت لهذه المشكلة الخطيرة، بالإحتكار للمستلزمات الطبية والصحية والأدوية والعمل الدؤوب على إنتاج دواء لوباء كورونا واحتكاره وجني مبالغ كبيرة من وراء بيعه على المستوى العالمي، وهذا ينطبق على جوانب كثيرة من الحاجات الماسة المرتبطة بحياة الناس، ومنها المواد الغذائية الضرورية، حيث تتفشى حالة من الإجرام والجشع والرغبة بالسيطرة على حاجات المواطنين والإستفادة منها بالتربح غير المشروع وغير القانوني ولا أخلاقي.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ.

فهذه الآية القرآنية تدل دلالة واضحة على تحريم الإحتكار وجمع للمال دون نظر إلى الفقراء وما يؤثره على مجمل المجتمع، ويجعل المال خاصاً في تداوله بين الأغنياء دون الفقراء نظراً لما يستدعيه من ارتفاع الأسعار بما يعجز معه الفقير عن الشراء.

فالشريعة الإسلامية تحرم الإحتكار وتدعو بالتعامل عن طريق الحلال، لأنه لا يأتي من وراء هذه الخصلة القبيحة إلا الدمار والخراب للدول والشعوب بتدمير اقتصادها.

فالإحتكار يمثل جريمة يقوم بها القلة ضد الأكثرية من أفراد الشعب والمتضرر الجميع خصوصا أصحاب الدخل المحدود والفقراء، حيث يعتبر هذا العمل شن حرب متوحشة وقاسية في أبسط الحقوق وسحق للكرامة الإنسانية وعدم وجود منافسة تنمي إقتصاد البلاد.

قال رسول الله ﷺ: «الإنسان بنيان الله ملعون من هدمه».

فهده الجريمة هدم لكرامة الإنسان وإعلان حالة من الفساد تذهب ريعها لقلة تغتصب فيه حقوق الغير بدون حق شرعي أو قانوني.

قال رسول الله ﷺ: «لا يحتكر إلا خاطئ»

والمقصود بالخاطئ هو الآثم الذي يحمل فكرا في طياته بدور الخراب والدمار وظلم لما يسببه من الغلاء وسرقة حقوق الغير، ويولد مجتمع تسود فيه عدم الثقة وتفكك المجتمع وانهيار العلاقة بين أفراد المجتمع أو بين الدول ويكثر النفاق الاجتماعي والغش وانهيار القيم الأخلاقية.

قال تعالى: «كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ»

الأفكار الإشتراكية احتكرت المال على مستوى الدولة والرأسمالية وضعت المال في قبضة وتصرف مجموعة من الأفراد والشركات المسيطرة على النطاق المحلي والعالمي، أما الإسلام فأوجد قيود، ووضع أسس سليمة لاحتواء هذا الأمر الخطير واقتلاعه من جذوره وواجهه بمنتهى الصرامة كأمر يخالف الشريعة، فكان يوجد المحتسب في ظل الدولة الإسلامية كان يقوم بمراقبة السوق ويمنع الإحتكار والغش والكيل في الميزان، ليضمن حقوق أفراد المجتمع وضمان سيادة القيم الإسلامية وردع كل من تسول له نفسه بالتفكير بمثل هذا الأجرام.

فالدول على عاتقها الضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه المريضة بالقيام بهذا الجرم وسن قوانين رادعة والعمل بفاعلية وشدة في مراقبة مثل هذه القضايا الحساسة، حيث يهدد الإحتكار كيان الدول ويفتك بمعيشة المواطنين بوضع قوانين صارمة حتى يتوازن أمر السوق وعدم إلحاق الضرر بالفقراء وأصحاب الدخل المحدود وتضخم الثروات في أيدي المافيا الإحتكارية.

يحتاج السوق لمراقبين اكفاء يخافون الله في عملهم وواجبهم تجاه دينهم وأخلاقهم أولا وخدمة جليلة لأوطانهم ومواطنيهم، فهذه الأعمال لما تحتاج من إرادة وخوف من الله مثل الجهاد الأكبر.

وما جاء في عهد الإمام علي لمالك الأشتر: «وَاعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَشُحّاً قَبِيحاً وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه مَنَعَ مِنْهُ وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ».

ولا يخفى الدور المهم والفعال للمستهلك في محاربة هذه الآفة الخطيرة التي تمس حقوقه ومعيشته ومصدر رزقه وعلى مجمل حياته وعلى مستوى التوفير لبناء مستقبل بالحدود الدنيا من سكن وعلاج وإحتياجات ضرورية أخرى، على المستهلك في ظل الإحتكار أن يفعل الإرادة وقليل من الصبر بالإستغناء ولو لفترة محدودة عن سلع معينة قام المحتكرين بعدم طرحها في الأسواق من أجل رفع سعرها، وعدم الإذعان لمثل هذه الأساليب الأجرامية، وهذا عمل فعال يتواكب مع ما فرض من قوانين صارمة من قبل الدول، وهذا الفعل يدل على مستوى وعي الفرد وثقافته وإدراكه وعدم أنانيته، فالمواقف الشجاعة تقوي المجتمع وتضعف من يريد شر بمجتمعه، فنتائج كثيرة جاءت بها الأفعال الشجاعة بالتصميم على التوقف عن شراء سلعة ما، والبحث عن بدائل وتوحد الجهود مما أرغم المحتكر للإرادة الشعبية وتنازل مجبرا بعد أن تكبد الخسارة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
ر ع
[ القطيف / القديح ]: 5 / 6 / 2020م - 11:58 ص
أحسنت الطرح

أعتقد أن التضييق على الفقراء هو ماساهم باتساع رقعة الجشع والاحتكار

حيث انهم يحاربون أصحاب البسطات والتجار الصغار بحجة السلامة والصحة وبضاعة (مجهولة المصدر) على أساس أن بضاعة المصانع الكبيرة هي معلومة المصدر للمواطن المسكين! أو أن له الحق في التحقق منها مثلاً!

هذا سبب مباشر ومنظم للتضيق على المستهلك للأسف!

الآن حتى وان تم الدعم للمشاريع الصغيرة فالوقت متأخر قليلاً حيث حتى أن التاجر الصغير سيبحث عن الربح الوفير لدفع الأجارات والأقساط.

مايتداول هذه الأيام لحلحلة موضوع السكن هو فعلاً ما سيساهم بحل كثير من صعوبات المعيشة فامتلاك سكن ذو براحة زراعية (ولو صغيرة) هو أول خطوة لإصلاح كثير من القضايا المتعلقة بالمواطن للعيش دون العازة لجشع وطمع الآخرين.
2
Falkon
[ تاروت ]: 5 / 6 / 2020م - 1:37 م
كلام سليم وفي وقته
سلمت يداك
3
أبو حسين
[ القطيف - تاروت ]: 5 / 6 / 2020م - 1:56 م
أحسنت أخي أبو محمد وكذلك المعلق رقم 1.. لقد كفيتم ووفيتم بكل ما يدور من حولنا من إحتكار لسلع أساسية من مقومات الحياة، وعلى رأسها تملك الأراضي وإحتكارها في أيدي القلة من الأثرياء الذين نمت وتضخمت ثرواتهم من لحم وأكتاف أبناء بلدهم، حقيقة الجميع يشعر بالضيقة والأسى على ما نحن فيه من جشع لتجار الأراضي، والحل هو تطبيق رسوم الأراضي البيضاء على كل أرض لم تعمر بالبناء، لكي يتمكن كل إنسان من بناء مسكن يأويه وأسرته، وليتذكر كل إنسان منا أن نهايته القبر مهما ملك من مال وثروات.. دعوا الفقراء لتبني لها مساكن وأنتم أيضاً بإمكانكم البناء والتأجير، أما تحتكرون الأراضي دون تعمير فهذا عمل غير إنساني، وستكون له تبعات سلبية على مجتمعنا، وإننا نناشد الدولة بالتدخل في حل هذه المشكلة من أجل تحقيق الأمن والأمان لجميع المواطنين، وإذا ما تفشى الفقر فعندها لا يكون إستقرار أسري وتكثر الجريمة وعندها الجميع يكون خاسرين.