آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

‏الجيش الأبيض في مستشفى القطيف المركزي!

ليلى الزاهر *

انبعث من رائحة قهوتي صوت أختي التي انقطعت عن زيارتنا منذ زمن حفاظا على سلامتنا وسلامة أمي.

أسمعها تقول: ياقومُ أذني لبعض الحيّ عاشقة، بيد أنني أرى الألم يخرج بين ثنايا الحناجر في كل يوم.

لكنني أشعرتها بأنها بطلة في صفوف الجيش الأبيض في القطيف المركزي وتستحق مكافأة بشرط أن تحافظ على نفسها وتكون بمأمن عن كورونا.

لقد وعدتُها برحلة جميلة مدفوعة التكاليف بعد انتهاء زمن الجائحة بإذن الله لأيّ بلد تُحبُّ زيارته.

ومن منا ليس لديه كادر صحي يعمل في مستشفى القطيف المركزي أو غيره في مستشفيات العالم؟!

قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ!

يقول طبيب سعودي مقيم في فرنسا في اتصال هاتفي مع صحيفة الاندبندنت العربية:

«لا أبالغ إن قلت أن المنطقة تشبه منطقة الحرب، وهذا ما ذكره بالضبط الرئيس الفرنسي في حديثه، حركة طائرات الإخلاء الطبي لا تتوقف وأصوات الإسعاف لا تنقطع. مؤخرا نعاني من استنزاف كبير في الطواقم الطبية، والإصابات في ازدياد بين الممارسين الصحيين».

هل ننتظر من وزارة الصحة مكافأة الحشد الهائل منهم؟ لماذا لاترصد كلّ أسرة مكافأة لأبطالها من الصحة؟

هؤلاء الكوادر الصحية الجميلة لابد لهم من سواعد قويّة تشدّ على أيديهم، وكلمات تعانقهم من بعيد حتى نخلق في نفوسهم شراسة المحافظة على أنفسهم، ونُخفي ملامح الإعياء الذي يقطع وجوههم في ذهابهم وعودتهم لعملهم صباح مساء، نحن نرى الخوف والفزع في نفوسهم عندما يدخلون منازلهم بعد يوم شاق كرّسوا فيه ساعات أعمارهم للحفاظ على الأرواح.

لقد باتوا على قيد من خطوات الموت _ حفظهم الله من كل سوء _ وربما تجاهلهم لمشاعر الخوف والفزع هو من يبقيهم أقوياء وسط بحر هائج اقتحمته العواصف من كل حدب وصوب.

لهم رسالة يعملون من أجلها، وفي الوقت الذي جلس الجميع في منازلهم خلف حواجز الحماية نرى الكوادر الصحية يشمّرون سواعدهم للعمل المتواصل. ولكن للأسف الشديد وبين شاهد ومشهود يتلقّون بعض الكلمات الجارحة من بعض النفوس المريضة.

‏ ‏حقا يؤلمني الطبيب الذي تبدو عليه علامات الإعياء وعندما يتحدث ناصحا، ومعاتبا يضعه البعض في دائرة الاتهام ولايكفون عن مضايقته بكلامهم الجارح فهذا ينعته بالمتذمر من عمله، وآخر يهاجمه قائلا: أنت لاتعمل في جمعية خيرية ‏، وثالث يقايضه بآلافالريالات ثمنا لحياته إلا أنه يطوي صفحاتهم ألما وهو يقول:

﴿وَ نَصَحْتُ لَكُم وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ

إنّ المقايضة على العمر معادلة خاسرة، وهؤلاء القابعون خلف الخطر لهم احترامهم وتقديرهم لأنهم يحلقون بنا نحو الوقاية من هذا الوباء المحدق بنا، بينما تنبض حواسهم بحب الآخرين وتخفيف العناء عنهم. وأقل تقدير لهم توفير مستشفى خاص بهم لعزلهم عند إصابتهم والمحافظة على حياتهم وحياة عوائلهم، وجميل أن يمتلكوا إخلاء طبيّا خاصا بهم للحالات الحرجة التي تسقط في مواجهة هذا الوباء.

تلك الجيوش البيضاء تعمل باستيراتيجية متقنة وتحارب من عمق الحدث، تناضل في الصفوف الأمامية، وتقوم بواجبها المهني والإنساني في أحلك الظروف.

‏لقلوبنا أجنحة تعشق اللقاء، ولهم أجنحة تظل تصْفق في الآفاق لرؤية أحبابها من بعيد لكنها لا تقوى على لقائهم.