آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الأعراس.. كورونا

محمد أحمد التاروتي *

شكلت جائحة كورونا فرصة لمراجعة العديد، من القناعات الخاصة بحفلات الأعراس، بما يتماشى مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الإجراءات الاحترازية، فالكثير من القناعات السابقة باتت متجذرة في الثقافة الاجتماعية، مما يجعلها جزء من التحضيرات الخاصة في مناسبات الأعراس، بحيث بات الاقتراب منها ”محظورا“، ومن الخطوط الحمراء، تارة من باب الخشية من ردود الفعل الاجتماعي، وتارة أخرى لإظهار الكرم الحاتمي، وبالتالي فانها أصبحت واقعا على الجميع، يصعب تجاوزه لدى بعض الشرائح الاجتماعية.

المراجعة للقناعات الخاصة بطقوس الأعراس، تتداخل فيها عوامل متعددة ذات طبيعة بالتركيبة الاجتماعية، مما يجعل الاقتراب منها مخاطرة شديدة لدى بعض الفئات الاجتماعية، حيث يلعب التطور الاجتماعي عنصرا مساعدا للتفكير في صياغة بعض القناعات القديمة، خصوصا وان التعاطي مع إيقاعات العصر يلعب دورا كبيرا، في الانتقال من مرحلة لأخرى، فيما يتعلق بطبيعة التحضيرات التي تسبق حفلات الأعراس، مما يعكس الاختلاف الكبير في مناسبات الزواج خلال العقود الماضية، خصوصا وان الطريقة التقليدية السائدة في العقد الخامس من القرن الماضي، تختلف عن القرن الحالي في العديد من الأساليب المتبعة في اظهار الفرح، بيد ان التفكير في الممارسات الخارجية، وطريقة الاحتفال اقتصرت على المظاهر الخارجية، فيما القناعات الراسخة في طريقة اظهار الفرح لم تختلف كثيرا في الغالب.

تبديل القناعات الاجتماعية تتطلب سقفا زمنيا، نظرا لصعوبة التنازل عنها بسهولة، مما يستدعي العمل على احداث اختراقات طفيفة في الجدار الثقافي الجمعي، بحيث تظهر على شكل التخلي عن بعض المظاهر غير الضرورية لدى بعض الفئات، فيما تتجاهل بعض الفئات الأخرى جميع النداءات الهادفة، لاحداث تحولات حقيقية في القناعات الراسخة، باعتبارها الوسيلة المناسبة للانفكاك من القيود الاجتماعية، التي سيطرت على العقول خلال العقود الماضية، الامر الذي ساهم في تكبيل البعض بالأعباء المالية، نتيجة تلك القناعات السائدة في مناسبات الأعراس.

وجود المناخ المناسب للتنازل عن القناعات، ليس كافيا للدخول في مرحلة جديدة، من خلال نبذ الطقوس غير الضرورية في الأعراس، فالعملية مرتبطة بالقدرة على الاستغلال الأمثل للفرص المثالية، عبر الانخراط العملي وعدم التردد في الأقدام، على هكذا خطوات ذات اثر كبير على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان قياس ردود الأفعال يؤخر البعض عن اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، في سبيل الانعتاق من بعض طقوس الأعراس المكلفة، وذات الأعباء المالية الكبيرة على الاسر.

من الصعب التعرف على مقدار التنازل عن قناعات الأعراس مع فترة كورونا، خصوصا وان الأنظمة الصارمة تلزم باجراءات خاصة للحيلولة دون التجمعات في الأماكن العامة، وبالتالي فان المخاوف الصحية فرضت واقعا مغايرا على الجميع، مما يستدعي انتهاج اليات ووسائل غير مألوفة في الأعراس غالبا، حيث اتخذت مناسبات الزواج طابعا مختلفا للغاية، مما يوحي بحالة ثقافة مغايرة تماما عن المرحلة السابقة، تمهد الطريق لإشاعة قناعات اجتماعية جديدة، تؤسس لمرحلة جديدة لطريقة الاحتفال بالزواج، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية.

التعويل على الثقافة الجديدة لطقوس الأعراس، مرتبط بالقدرة على رسم طريق واضح، لمرحلة ما بعد جائحة كورونا، فالتحدي القائم يتمثل في القدرة على التمسك بالقناعات الجديدة، والتخلي عن ثقافة الأعراس القديمة السلبية وغير الضرورية، مما يفتح الطريق امام مرحلة أخرى تسهم في تخفيف الأعباء المالية على الاسر، خصوصا وان المبالغة في اظهار الفرح تثقل كاهل العريس بالكثير من الأموال، الامر الذي يستدعي وضع مسارات جديدة لمرحلة ما بعد أزمة كورونا، تتمثل في تحويل مناسبات الأعراس من حالة قديمة الى واقع جديد، بما يتناسب مع البساطة والابتعاد عن التكلف الزائد.

المراهنة على استيعاب درس أزمة كورونا بالطريقة السليمة، يمثل التحدي القادم في المرحلة القادمة، خصوصا وان الجائحة أعطت الكثير من الدروس في مختلف المجالات، مما يجعلها مناسبة لاسقاط الكثير من الأحمال الثقيلة، التي فرضتها بعض التقاليد الاجتماعية السابقة، بمعنى اخر، فان النظرة المتفائلة للتعاطي بشكل مختلف مع قناعات الأعراس، عنصر أساسي مع وجود تحولات ملموسة، في العديد من الطقوس الخاصة، بمناسبات الأعراس خلال أزمة كورونا.

‏?محمد العبد الله

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو عبدالله
[ Saudi Arabia ]: 17 / 6 / 2020م - 10:03 ص
عزيز الكاتب المحترم, الشكر الجزيل على الإضاءة على هذه القضية الاجتماعية الأساسية والتي آمل أن تكون من القضايا التي يجب أن تتغير (ماقبل كورونا ليس كما بعدها)، ليس لأنها نظرة تشائمية، ولكن من شب على شئ شاب عليه، بمعنى أنه بعد زوال هذه الجائحة بإذن الله سوف يكون المجتمع محتاطاً لفترة من الزمن وسوف تعود كل هذه القضايا مرة أخرى إلى السطح وذلك لعدة أسباب ومنها الاقتصادية نفسها، نسبة البطالة تكبر، وسيرى العاطلون فرصهم التجارية في هذه القضايا ومنها حفلات الزواج
كاتب صحفي