آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

إدارة مواقف الاحراج

المهندس أمير الصالح *

قرأت كتابات للجاحظ ولغيره من شعراء وأدباء بعض الطرائف المحرجة. وازداد فضولي بحثا عن الردود الذكية والسريعة والرادعة للمواقف المحرجة التي يتعمد الحاقدين والأشرار إطلاقها، فلم أجد من الأدباء القدماء أسرع فطنة ونباهة من الشاعر المتنبي.

ومن ضمن ما نُقل من قصص عن الشاعر المتنبي أن شخصا تعمد إحراج المتنبي، فقال للمتنبي ظننتك من بعيد امرأة. فرد المتنبي بلمح البصر وأنا ظننتك من بعيد رجلا.

وقيل بان رجل معاصر قيل في حقه من قبل رئيسه في العمل: أستطيع براتبك أن اجلب ثلاثة موظفين من الدولة الآسيوية الفلانية، فرد الموظف على مديره المتجبر وفي ذات اللحظة: وأنت براتبك أستطيع أن أوظف رئيس وزراء تلكم الدولة المشار إليها وكامل طاقم وزرائه.

وقيل عن موظف دخل على مكتب موظف آخر ندا له ولا يطيقه لسبب ما. فقال الموظف الأول المتعجرف: لا أرى أي شي جميل في مكتبك. فرد الموظف الثاني في الحال: الحياة جدا صعب على من عميت قلوبهم وأبصارهم عن رؤية جمال خلق الله في الأرض.

أتذكر في أسواق القيصرية وقبل أربعون سنة بالإحساء مواقف عديدة ومنها الطريف المحرج. أسرد على سبيل الاستشهاد الموقف التالي:

ترجل شخص وزوجته من سيارته الفاخرة ويبدو عليه اثر الثراء والخيلاء، ودخل محل لبائع مسن يبتاع الأحذية، فقال الرجل بصوت فيه لونا من الاستحقار والجلافة بعد أن أخذ بيده أحد الأحذية: بكم هذه القبعة. فقال البائع المسن: جرب لبس القبعة على رأسك فإذا كانت القبعة على مقاسك فلن نختلف على السعر.

البعض ممن يتعرضون لصلافة الوقحين إحراجا، لاياتي الرد منهم في حينه وكأن المخ لديهم قد تعطل أو شل تفكيرهم أو تكبل وعليه يعض البعض أصابع الندم في تفويت الفرصة بالرد في حينه بعد الانصراف من مكان الاحراج لما أصابه من غبن أو إحراج أو إهدار كرامة. والبعض يلوم نفسه عن الغفلة في الرد المناسب في ذات المكان والزمان والشهود.

الإشكال هذا قد يمكن معالجته بالنسبة للشخص الكبير سنا والذي يستطيع أن يرجع إلى من تعرض له بالاحراج ويرد الاعتبار لذاته بالكلام. الإشكال في انعكاس مواقف الإحراج على تكوين شخصية الأطفال والمراهقين أن فشلوا بالرد على الكلام بالكلام في حينه. واعتبار ذلك فشل منهم في حفظ كرامتهم وإنسانيتهم وإهدار الثقة في أنفسهم.

لذا من الجيد أن يعلم ويربي الوالدان أبناءهم فنون إدارة مواقف الاحراج بأساليبه المتنوعة مع مراعاة كامل الظروف. في الغالب السكوت عن المعتدي بالاحراج لسانا يُفسر بأنه ضعف من المتعرض للإحراج. والتجاهل في الرد قد يعطي ذريعة في استمرار المعتدي في غيه وإحراجه للآخرين.

وفي حالة استخدام العراك الجسدي لرد الاعتبار قد ينتهي إلى ما لا يحمد يحمد عقباه من ضرر جسدي ومتابعات قضائية وسوء تقدير التفاعلات وأبعادها. إذا اللابد من إدارة الاحراج بفنون الردود الكلامية والحقوقية. قد يتساءل البعض: هل هناك ردود ماحقة ساحقة لمعظم المواقف المحرجة. الجواب بشكل عام: نعم ويتطلب من الإنسان التدرب المستمر من خلال القراءة الثرية المفيدة والكتابة المستمرة لكل السيناريوهات المحرجة التي يشاهدها أو تقع على الآخرين ويسطر الردود الدامغة وفي الواقع ليس هناك معالجة أو تفنيه واحدة فلكل حادث حديث.

والوحيد الذي يقدر الوضع بكل أبعاده هو صاحب ردة الفعل اتجاه الاحراج الواقع مع مراعاة تامة لسلوك المؤدب وتجنب الانجرار أو الوقوع في فخاخ الاستفزاز.