آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

فرص الحياة بين المقدور والممتنع

المهندس هلال حسن الوحيد *

قبل ظهور المخابز الاوتوماتيكية وتوفر الخبز على مدار الساعة في القرى والمدن كان يخبزه رجالٌ من أهالي القرى والمدن في أماكن متفرقة في الأسواق وبين الحارات. وقد جرت العادة عند بعض العوائل، مثل عائلتنا، أن ترسل أحد الأبناء قبل طلوع الشمس لشراء الخبز إذ هي الساعة التي  تحتاج فيها العائلة الخبز، المكون الأساس في وجبة الإفطار مشفوعًا بكوبٍ من حليب البقر لا غير، قبل توفر عشرات البدائل حاليا.

ومن الطريف أنه إذا حضر أحد الأطفال قبل الرجال يبدأ الخباز في خدمة الرجال، وكلما يحين دور الصغير يعطي الخبزَ لأحد الرجال إن وجد. ومع كل الغضب الذي يفور داخل الطفل والخوف من التأخر عن ساعة الذهاب للمدرسة، فليس بوسعه سوى الإنتظار، فماذا على طفلٍ أن يصنع؟ على كلِّ حال، في كل يوم إذا انتظر الطفل ما فيه الكفاية، كان يحصل على الخبز الذي كان في ذلك الوقت عشرة أقراص بريالٍ واحد.

وهكذا كانت تجربة الصغار مع الحلاق أيضا، الذي كان من أهالي البلد قبل ترك هذه المهنة للأجانب. فكانوا يحضرون ومعهم نصف ريال من أجل حلاقة شعر الرأس بالموسى، وفعلا تتكرر تجربتهم ويطول الانتظار. وأيضا، لابد ان يحين دور الطفل فوق كرسي الحلاق إذا انتظر بما يكفي.

في الواقع هي تجارب تبدو صغيرة وتافهة لكنها تزرع بذرةً انسانية في أفكارنا مفادها أنه بالرغم من أسبقيتك وأحقيتك الاجتماعية والأخلاقية والدينية وغيرها من المؤهلات في الحصول على دور قد تخسره لغيرك، وكذلك إن انتظرت طويلا بما فيه الكفاية، فلا بد أن تأتيك الفرصة في الحياة وإن بعد حين. تفشل مرات وتنجح مرة، تسقط مرات وتقف مرة، وتبقى العبرة ان محصلة السقطات والفشل في التقدم والسير للأمام لا التقهقر والعودة للوراء.

نكبر وتكبر معنا الأماكن والأشياء وتكثر الأهداف التي ننتظر تحقيقها، ولا شيء يجدي سوى الجري وراءها، الوظيفة والترقية والمنصب والمكانة الاجتماعية وهلمَّ جره، وكل هذه الأهداف والأمنيات ليست في بساطة تجربة الخباز والحلاق، وقد تكون أطول من انتظار ساعة، أو حتى عمر بأكمله في حالة التكريم ورد الإعتبار، ثم يأتينا ما ننتظره، لأنها لكي تتحقق في الواقع، تحتاج عوامل أكثر وأبعد من الزمن وحده.

فرصٌ توقن أنك أولى بها ثم يأتي غيرك وينالها دون تعب. أنت تعتبرها واسطة وهو يعتبرها خدمة، وأنت تعتبرها أسبقية وهو يعتبرها أحقية، وأنت تعتبرها واسطة في قبال الأولوية والنتيجة انه ”لا يجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الضارَ النافع هو الله عز وجل“.

النصيحة الوحيدة هي: إن كانت الفرصة تستحق الوقوف والانتظار فلمَ لا؟ وإلا فعبثًا إطالة الوقوف والمكث عندها و”البكاء على لبنٍ مسكوب“.

مستشار أعلى هندسة بترول