آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 6:21 م

الديون Debts

المهندس أمير الصالح *

في ذهنك:

- ماذا يفعل السيد جيف بيزوس، مدير شركة أمازون، بفائض أمواله المليارية المودعة في البنوك والمتصاعدة تدفقا بشكل يومي في حساباته البنكية؟

- ماذا تصنع البنوك العالمية بأموال فاحشي الثراء من الصينيين وباقي دول العالم والمودعة في فيها؟

ربما لم يفكر بعض القراء الكرام في ذلك الأمر من قبل أو قد يُجيب البعض بالقول هذا الأمر لا يعنيني في شي. ولكن قد تسمع من البعض بإجابات تتراوح بين القول بأن الأثرياء يحصلون على فوائد بنكية نظير إيداعهم للأموال بالبنوك أو يحصلون على تسهيلات اقتراضية بنكية بضمانات التدفقات المالية وسجل أرصدتهم المتحركة لتوسع أعمالهم التجارية حول العالم. الجواب أن جزئيا صحيحان إلا أنه لم يصيبا كبد الحقيقة بكاملها.

والواقع الأكثر إيلاما هو أن كل شخص منا معني بما يصنع البنوك بأموال فاحشي الثراء وصانعي الأسواق العالمية في سوق المال والأعمال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

فعليا أموال السيد بيزوس وممن في بحر ثروته تُستخدم لاستزراع روح إدمان الاستهلاك لدى قطاع عريض من الناس لاسيما في دول صناع السوق العالمي مثل أمريكا وكندا.

قد لا يخطر على بال العامة من الناس بانت أموال السيد بيزوس وغيره من الأثرياء يتم توظيفها استثماريا لزيادة نهم الاستهلاك لدى أبناء الطبقة الوسطى والمتدنية الدخل المالي من خلال أدوات عدة ومنها إعطاء تسهيلات القروض البنكية الباذخة لعدد عريض من الناس بهدف تمويل شراء سلع استهلاكية «جوالات، سيارة، أجهزة كهربائية، أثاث منزلي، تملك بيوت، عمليات تجميل....» حتى بدون ضمانات مالية تُذكر.

الكل يعرف بان تدوير المال هو المحرك الأساس لدوام حياة السوق المالية واستمراره، ولذا يجيد أهل البنوك وصناع السوق كل وسائل الدعاية والإعلانات الإغرائية لزيادة عدد المستهلكين للسلع بكل أنواعها. وبالتالي زيادة سرعة الاستهلاك ومنع توقف حركة تدوير المال أمر ضروري للأثرياء وللبنوك. لان العكس يعني لهم خسائر فادحة أو الاتجاه نحو النمو المالي وبالتالي الانكماش والتوقف تجاريا. إعطاء التسهيلات الميسرة للأفراد التي تؤدي للحصول على قروض أمر مهم في إي اقتصاد في العالم إلا أنه يجب التمييز بين القروض السالبة والقروض الموجبة. فالقرض الإيجابي محصلته خلق وظائف وإعادة ضخ التدفق المالي وخلق محل تجاري أو صناعة محلية. في كتاب ”The House of Debt / بيت الدين“ يذكر المؤلفان، عامر الصوفي وزميله عاطف ميان، بان تراكم الديون الشخصية سببها الشراهة والإدمان في اقتناء السلع الاستهلاكية من جهة واختفاء الترشيد من جهة أخرى. ويذكر الكاتبان نماذج دعاية لإغواء المستهلكين وصلت في ذروتها في بعض الأنشطة التجارية مثل الترويج لبيع وحدات سكنية في مجمع سكني تحت الإنشاء إلى بناء منزل نموذجي في موقع رئيسي يخطف أنظار المارة. ولزيادة بريق التسويق ودغدغة المشاعر تم استجلاب ساكني ذلك المنزل الدعائي بمواصفات جسدية جذابة وقُدم النموذج السكني على أنه انعكاس لبيت ”الحلم“ وأنه الآن بإمكان المستهلك تحقيقه لذلك الحلم وبتسهيلات قروض مبسطة.

كل هذا للإيقاع بالفريسة والدخول في عالم القروض والديون. كتاب ”The House of Debt / بيت الدين“ يستحق القراءة ويعتبر من أفضل الكتب التي صدرت عام 2014 في مجال التحليل الاقتصادي ويعالج الكتاب أسباب وأبعاد الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 م في شمال القارة الأمريكية.

من الجيد أن يعرف أو يتعرف الإنسان على نقاط ضعفه في الاستهلاك المادي فيحصن نفسه من الانقياد الأعمى لها؛ ويتعرف على نقاط قوته فيزيد من متانتها. نقر بان الكل منا يريد أن يستحوذ على أكبر قدر من الفخامة والراحة والدعة والأبهة في المأكل والمشرب والمسكن والسفر والوجاهة والولائم الباذخة ولكن من الحكمة حسن استدراك النفس من الانخراط في عالم الاستهلاك المفرط حد الانزلاق في عالم الديون.

على ضوء التقلبات العالمية في أسعار السلع الحيوية وتدحرج الدخول المالية لكثير من الدول، أتوجس خيفة من أن ينخرط البعض في اخذ ديون مالية أو قروض بنكية بضمانات غير مستقرة التدفق المالي فينتهي بذلك البعض أن يشتري ما لا يريد بمال لا يملكه ويُلزم أن يسدده حتى لو اقتضى الأمر أن يُزاح من منزله. وأتوجه بصورة اجتماعية بطلب إصدار تعهدات أخلاقية ذاتية بالعزوف عن دعايات القروض الشخصية الممولة لشراء المواد الاستهلاكية والتي لا تنمي الدخل للفرد المقترض وتهدف لمحاكاة خيال البعض في عيشة حياة الأثرياء.