آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

خطر القناعات

زكي المبارك

سننطلق بقصة رغم كونها قصيرة إلا أنها معبرة للوصول إلى فهم أدق وأشمل

قصة ميل الدقائق الأربعة:

منذ آلاف السنين كان الناس يعتقدون أنه من الصعب بل من المستحيل على الإنسان أن يقطع مسافة ميل في أقل من أربع دقائق غير أن روجر بالستر حطم هذه القناعة في عام 1954 بعد أن حمل نفسه على تحقيق المستحيل من خلال التمرين الشاق وإصراره العاطفي الشديد بقدرته على فعل ذلك حتى تمكن بالفعل من الوصول إلى هدفه، الغريب في الأمر أنه بعد عام واحد فقط من وصول روجر إلى تحقيق هدفه تمكن سبعة وثلاثون آخرون بعده ممن يمارسون رياضة الجري من تحطيم ذلك الرقم.

ما الذي حدث ما هو السر في ذلك؟

السر باعتقادي يكمن في القناعات التي تشكلت عند الرياضيين عامة بمرور الزمن بعد عدة محاولات بائسة بعدم القدرة على تحطيم ذلك الرقم حتى ظل صامد لسنوات طوال، تمكن روجر بالستر من تحطيم ذلك الرقم جعل الكثير من القناعات تتحطم عند الكثير فبدلا من كلمة مستحيل التي عشعشت لسنوات في نفوس الكثير أصبحت من الممكن لما لا؟

بدأت بعدها موجة من التفاؤل عند كل الرياضيين للمحاولة مجددا.

القناعة / ببساطة هي مجموعة من الأفكار لدى الإنسان يسلم بأنها صحيحة ويكون مقتنع بها تماما ويعيش على أساسها.

معظم قناعاتنا تكون مكتسبة سواء من البيئة المحيطة أو التربية الاجتماعية أو خبراتنا الحياتية متمثلة في تجاربنا الشخصية أو الكتب التي نقرأها أو ما نشاهده من أفلام كما قد نستند أحيانا على تصوراتنا وتخيلاتنا والكثير من تلك الأفكار التي تطرأ على أدمغتنا قد تتحول إلى قناعات من غير أن نشعر ونكون معتقدين بها بالتالي تؤثر علينا إما بالسلب أو الإيجاب سواء كانت تلك المعتقدات صحيحة أو خاطئة.

للأسف معظم تلك القناعات التي بداخلنا تقودنا إلى تعميمات خطيرة حول ماضينا مبنية على تفسيرنا لتلك التجارب التي مررنا بها في الحياة سواء تلك التجارب كانت سيئة مؤلمة أو جيدة ممتعة ما قد تقودنا للإبداع والانطلاق أو التدمير والتقاعس بالتالي الحذر من تلك الأفكار إن لم يكن لها معنى وتفسيرا إيجابيا، ولا تقتصر قناعاتنا على عواطفنا وأفعالنا بل من الممكن أن تغير أجسامنا كما أثبتت الدراسات الحديثة نتيجة مفادها أن لقناعتنا قوة تتغلب على تأثير العقاقير على الجسم في مجال المناعة النفسية العصبية «الصلة بين الجسم والعقل» بالتالي قناعاتنا تجاه المرض وعلاجه تلعب دورا لا يستهان به أبدا ربما يتفوق على الدور الذي يلعبه العلاج نفسه.

كيف تقودنا قناعتنا للتعميم دائما؟

مسألة بالرياضيات لم تتعلمها بالسرعة المطلوبة التي تظن أن زملائك بالصف قد تعلموها هذا قد يولد عندك قناعة بأنك بطيء التعلم «عندك إعاقة تعليمية» بناءا على تفسيرك لتلك التجربة التي مررت بها بالتالي بدلا من أن تفكر بالبحث عن استراتيجية مختلفة عن التي تعلموا بها زملائك تصدر تعميما بأنك لا تصلح أبد لشيء.

كيف تتحول تلك الفكرة إلى قناعة

يتعرض دماغ الإنسان في اليوم الواحد إلى مئات إن لم تكن آلاف الرسائل الإيجابية والسلبية شاء أم أبى ولا يمكن السيطرة عليها، تلك الأفكار تبقى أفكارا ولا تصل إلى مستوى القناعة دون اليقين بها ولإيصال فكرة إلى مستوى القناعة نستخدم تشبيه بسيط «أرجل سطح الطاولة» الفكرة لتكن أنك جذاب لن تكون كذلك حتى تكون هنالك مستندات مرجعية داعمة لتلك الفكرة تجعلها قوية وراسخة متمثلة في أرجل تلك الطاولة على سبيل «ملابسي أنيقة - اهلي بالبيت يصفوني بالجميل - جسمي رياضي - سيارتي ملفته للآخرين» وهكذا وجود تلك المستندات المرجعية الداعمة للفكرة بأنك جذاب بداخلك يجعل الطاولة تقف مستندا على تلك الأرجل كما تجعل قناعتك تجاه تلك الفكرة ثابتة ومؤكدة.

التجارب التي مررت بها في حياتك وتكون مستند عليها:

1 - شعورك بأنك ملفت للآخرين.

2 - حديث البعض لك بأنك جذاب.

3 - وقوفك أمام المرآة ومقارنة نفسك بالجذابين ووصولك لنتيجة بأنك لا تقل عنهم.

عندما تنظم تلك التجارب التي مررت بها تحت مظلة واحدة وتحت سقف واحد بأنك «جذاب» تشعر بثقة كبيرة تجاه تلك الفكرة لأنها أصبحت قوية وأصبحت مقتنعا بها تماما لوجود تلك الدائم والمرتكزات هكذا تبدو قناعاتنا في الغالب.