آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

أرق المواقف

سهام طاهر البوشاجع *

تمر في حياة الإنسان قصيرة كانت أم طويلة الكثير من الأحداث والمواقف الجميلة والقبيحة منذ نعومة أظفاره وحتى قبيل وفاته، إلا أنها حين تمر وهو طفل تصنف ضمن مواقف التسلية والترفيه التي يفرح بها الوالدين والأهل وتسجل في ذاكرة كاميراتهم وألبوم صورهم على مدى الأيام لتصفحها والضحك عليها، فبين فترة وأخرى تستعاد صور تلك المواقف مع صاحبها الذي لم يعر لها أي اهتمام آنذاك لصغر سنه أكانت محرجة أم مضحكة وما أجمل براءة الطفولة إذا يقال ”ليتني طفل أكبر همي شراء لعبة“

الخطر الأكبر الذي يدق ناقوس الصحة النفسية والجسدية هو التعرض للمواقف بعد النضج والرشد إذا تعكر تلك المواقف هدوء القلب واطمئنان النفس وتضفي هالة من الذكريات التي تارة تكون على شكل وجع اوغضب أو ندم، وكلها هالات مؤرقة تؤرق منام الإنسان وتجره إلى أمراض مزعجة تؤثر على نشاطه خلال النهار، وليس نشاطه فحسب بل تقود إلى فيسيولوجيا الجسد فتصيب القلب بقصور وبحرقة للفؤاد وتململ في الساقين وفرط للغدة الدرقية وغيرها....

إن ما تخلفه المواقف المحزنة والمؤلمة بالذات من آثار أشد فتكا من بكتيريا أو فيروس يدخل إلى الجسد ويتم التشافي منه ثم يذهب في أمان الله لبقاء آثار تلك المواقف عالقة بين الذاكرة والعقل الباطني في كثير من الأحيان، وحين يبلور الألمان الجسدي والنفسي معا تكون التبعات قوية جدا.

تقول أمهاتنا وجداتنا من ضمن قواميس أمثالهم الشعبية ”ليت لي قلب سمكة“ لماذا السمكة بالذات؟ لربما لأن قلبها يدور فيه الدم في اتجاه واحد فقط بين بطين وأذين فقط قياسا على ما يتحمله قلب الإنسان من دم يدور في شرايين وأوردة جسمه مرتين بين بطينين وأذينين.، وربما هي فلسفة قياسية لا أكثر.

الأطباء والكتب والفلاسفة وحتى الكتاب طرقوا كثيرا باب الاستقرار الروحي إذ يشكل هذا الاستقرار تكامل دوائر الإنجاز والعطاء وتنامي الذات وتكامل الروح ومزيد من الإبداع، الأمر الذي يفقده صاحب الأرق لتنحدر حياته أمام عينه يوما بعد يوم حتى تفرغ نفسه من كل إنجاز يذكر لأنه ببساطة لم ينقذها من هذا الهم وعاش تحت وطئه مستسلم له.

وأعلم أن أسباب الأرق قد تكون بالإضافة إلى مواقف الألم النفسية إكلينيكية بحته إلا أن النفس قد تملك من قوة السيطرة على المواقف ”النفسية“ أكثر لما وهبه الله تعالى للإنسان من نضح ورشد يكفله الخروج من دائرة الأزمات والمواقف الصعبة، والتي قد تضرب حتى أدق مسببات الراحة في الجسم إلا أن نعمة التناسي أو النسيان كفيلة بها.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز