آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:38 ص

جيل الفلسفة والرواية

محمد الحرز * صحيفة اليوم

أظن - إذا لم أكن مخطئا - أن الجيل الراهن من الشباب والشابات في المملكة منفتح على نوعين من المعرفة، شغوف بهما اطلاعا وكتابة، الإقبال على الفلسفة من جهة، والآداب العالمية وبالخصوص الرواية من جهة أخرى.

فما يخص الفلسفة، فلو أخذت جولة على المنصات الثقافية أو الملاحق الثقافية في بعض الصحف أو الحسابات العديدة في السوشيال ميديا، لخرجت بانطباع عام، مؤداه أن هذا الجيل يمتلك الرغبة بالتمايز في الهوية والتفكير وإثبات الذات، عما سبقه من الأجيال، مستثمرا كل التقنيات التي توصله إلى المعلومة، وكل الطرق التي تسهل معها الاتصال الثقافي بين البشر.

وعندما يتساءل المرء: لماذا الفلسفة تحديدا؟!

يتبادر إلى الذهن العديد من الاحتمالات التي تفسر هذا التوجه، أقواها غياب تدريس الفلسفة في النظام العام للتعليم من جهة، وتشدد رجال الدين مع كل من يتعاطى مع الدرس الفلسفي أيام الصحوة من جهة أخرى.

هذان الاحتمالان وقع في فخهما أجيال: تعلمت وتخرجت وتشكل وعيها التعليمي بمعزل عن التفكير الفلسفي. ومع تصاعد منسوب الانفتاح الثقافي منذ جيل التسعينيات وما بعده، بدأت الأمور تأخذ مجرى آخر.

عند جيل التسعينيات بدأ التفكير الفلسفي يتسلل عبر انتشار المناهج النقدية، وتحديدا هما «البنيوية، التفكيكية»، وبرزت آنذاك على واجهات الصحف «الرياض، الجزيرة، اليوم، عكاظ» المقالات الصحفية ذات الطابع السجالي، وذات التطبيق العملي على العديد من النصوص المنجزة، وانخرط في هذا السجال والنقاش الناقد الأكاديمي والصحفي، فهناك من كان يرفض جملة وتفصيلا هذه الموضات المنهجية كما يسميها، وهناك من تحمس لها وطبقها في اشتغالاته النقدية.

الأجيال اللاحقة ورثت هذا المشهد. لكنها لم تقع في الإرباك الذي وقع فيه جيل التسعينيات «حينما أشير إلى جيل التسعينيات، فأنا لا أعني به الجيل بالمطلق، وليس كله أضعه في سلة واحدة، بل عنيت به البعد الزمني لا غير» بوصفه جيلا عانى ضغطا في التلقي دون سابق إنذار - هذه تحتاج إلى تفصيل وشرح ليس هنا محله - بل وجد نفسه منفتحا ومرتاحا في سبيل تأسيس وعيه الفلسفي على أسس قوية، بعيدا عن تأثيرات سلطة الأب من الأجيال اللاحقة، وهذا من أهم العوامل التي حفزت الجيل الحالي في الإقبال على الفلسفة.

أما ما يخص الرواية تحديدا، فالأمر لا يحتاج إلى كثير من الشرح أو التحليل، فتأثير الرواية في آداب العالم منذ دخول الحداثة هو أمر واقع، فكل دارس لتطور في ثقافات العالم، لابد أن يأخذ في حسبانه وقع هذا التأثير على مجرى التطور ذاته.

فقد توسعت خريطة المنجز الروائي في المملكة، وتعاقبت أجيال وأجيال في كتابته، وظهر روائيون نجوم على مستوى الوطن العربي. لذلك من الصعوبة بمكان لا تجد الرواية حظوة ومنزلة في نفوس الجيل الحالي كتابة وقراءة.

لكن السبب الأقوى - في ظني - يتمثل في قدرة الرواية على تمثل الذات في جميع حياتها التفصيلية الصغيرة منها والكبيرة، فهذه المساحة التعبيرية، لا تحظى بها بقية الأجناس الأخرى التعبيرية. ناهيك أن تاريخ المكبوتات في الثقافة التربوية المتشددة في السعودية دفعت باتجاه الكتابة الروائية، لأنها الأقدر على تسريب مثل هذه المكبوتات في نص روائي وإن كان في أغلب الأحيان في حدود البوح.

لكن بالمحصلة يقودنا هذا التحليل إلى تساؤلات عديدة منها: أين موقع الشعر من هذا الشغف أو الإقبال؟ وهل الإقبال على هذين النوعين فقط، أدى فيما أدى إليه إلى تقاعس عن تطوير النص الشعري وتحديثه؟! هذا ما سنتناوله في المقال القادم.