آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

همسات نفسي الدافئة

سوزان آل حمود *

في أوقاتٍ بعينها يأخذني الحديثُ عن اللهِ من نفسي، كالآن مثلًا..

أودّ لو بإمكاني أن أتصيّد الناس من الشارعِ وأجعلهم ينصتون وأنا أحدثهم عنه، يموجُبداخلي كلامٌ كثيرٌ يعقبه صمتٌ مطبق، وشعورٌ عظيمٌ يجترّ خلفهُ خوفٌ من الحرمان، وظنٌجميلٌ أحسنه فيربت على قلبي بحنوٍ ويقرأ عليّ ”الرّحمَن“

كنتُ سمعتُ شيخًا يقولُ إذا لمست آيةٌ قلبك فإنك لن تستطيعَ صبرًا على كتمانها، ستسرعُلتبلغ بها غيرك!

كنت قبل سماعي لهذا كلّما انتفضَ قلبي فجأة لآيةٍ أو لشعورٍ سماويٍّ هرولتُ للحديثِعنه، أحدثُ عنه الذاهبَ والآتي، وأقصّه على مسامعِ طالباتي وزميلاتي وصديقاتي وأخوتي أثناءَ الغداءِ، ثم أعودُ لنفسي قائلةً: شعورُ السماءِ لابدّ أن يُكتم حتى لا يضيع..

فكنت أجاهدُ في كتمانهِ ولكن نورهُ يأبى، أحاولُ دفنه فيّ وحدي ظنًا مني أني سأحرمهُولكن فضلهُ يفيضُ، وبركته أعظم من أن يحويها إناءٌ صدِئ كقلبي، فأعاندُ نفسي وأبلّغُبما بلغ فؤادي عنوةً..

فكان كلامُ شيخنا بشارةً لها وقعٌ وديدٌ عليّ وأن فطرةَ الإنسانِ ألا يكتمَ أنوار السماءِ التيتنبعثُ منه أحيانًا

لذا أبلّغكم نورًا وقعَ في قلبِي الآن بسببِ آيةِ ”يستبشرونَ بنعمةٍ من اللهِ وفضلٍ“

أما الخَيباتُ لا تُنسَىٰ، تظلّ نُدبها عالقةً في أرواحنا، بارزةً في طرقنا، تعثّرنا كلما أردناالهرولة، وتوقفنا وقتما أردنَا السّعي، وتضحكُ منّا إن انتوينَا التجَاوز.

والخيبةُ يا أحبتي مُصطلحٌ كبير، وصعب، لا يطلقُ على كلّ كسرةٍ أو هدّة، بل علىالخِذلان من نوعٍ خاصّ!

يطلقُ على صدمتِكَ الكبرىٰ، واتساعِ حدقتي عينيكَ، وفغر فيهك، يطلقُ على ملامح وجهكالتي تتبدّل فورَ تلقّي ما لم تتوقّعه يومًا، وعلى تتابعِ خفقات قلبِك، وعلى اضطرابها، يطلقُ على أعصابك التي تتوقّف كليًّا، فتشعرُ بجوارحكَ متفرقةً لا صلةَ بينها وبينَبعضها، يُطلقُ عليكَ كلّك عندما تصيرُ رفاتًا متحرّكًا، لا تعي ما يُقال، ولا تعي ما تقولُ، كلّما يفهمه ذهنكَ حوارٌ وحيد توقّفت عندهُ وظائفكَ الإدراكيّة كلّها، فأصبتَ بالجنونِ الخفيّ، والجمود الظاهريّ، والغليانِ القلبيّ، والموتُ المؤقّتُ مجملًا.

وما يهون على قلبي الحزينُ إلا القرآن، به تنفّست ألفُ روحٍ ميّتة، وأزهرت على جوانبهِالورودُ، واعتدلَت من نومها الأغصان واخضرّت، وسمعتُ فيهِ زقزقةَ العصافير أن زيدينَاريًّا بالآيَاتِ والعِبَرِ..

فاللهُ يعلمُ منك ما لا يعلمهُ أحد من خلقِه، ويسمعُ منك ما لا تسمعه أنت من نفسك، ويحيطُبكلّ حزنك وهمّك علمًا

إن أدركتَ ذلك وسلّمت لهُ هدأ خاطرك، ووجدت في صدرك - رغم ضيقهِ من الحزن - ِ بعضالمُتّسع، وطُبّبت عينك بعد حرقة البكاء ببعضِ القرورِ، وأوتيَت نفسك رغم ألمٍ بهَا، وكآبةٍتقطّع منها قلبك وارفضّ لها كبدك بعضُ سكينَةٍ، فتبكي بكاء الطفلِ يعلمُ أنهُ عاجلًا أمآجلًا لن يهونَ على أمّه، ولكن يبكي ألَمه، ولم ينقطع فيها أمله، ويطرق عليهَا الباب موقنًافي الجوابِ، ويناديهَا وقد بُحّ صوته ولم تُبحّ مناداة قلبه، فهو بين متأمّلٍ وراجٍ، وبينحزينٍ شاكٍ ومخطىءٍ باكٍ، بينَ صغيرٍ ضلّ طريق الحياةِ بعدما تخلّى عنه حجر أمّه، وبينكبيرٍ أثقلت كاهليه الدنيا بعدما فقدَ مأوًى يضمّه، بينَ هذا وذاك، وفي هذا أشياء كثيرة، وفي ذاك أوجهٌ أكثر، ولكن للهِ المثل الأعلى، واللهُ أكَبر!

الحمدُ للهِ على كلّ مصابٍ، حمدًا يرضيهُ عنّا..

ختامًا: الله ينتزعُ مني تعلقي بالأشياء والأشخاص في الأوقات التي يريدها هو، والتييعلمُ عواقبها، لا في الأوقات التي تمنيتُ فيها ذلك، من جميلِ لطفهِ أنه يجلّي لي حكمةَأقدارهِ أو بعضهَا في أغلب النوائب التي أظنّ أنها هلاكٌ محض ولكن أصبّرُ نفسي بأنّالحكمةَ آتيَة.

قد أكون أكثرالمذنبين، وأشدّ البريةِ حبًا للهِ

أحبّ اللهَ حبًا منغمسًا في جوارحِي وقلبي وروحي، حبًا يسليني في الأمور كلّها ولا يتركيديّ

لا أعلمُ منزلتي عنده، ولا نظرتهُ إليّ، ولا مدى رضاه عن نفسي، ولكنّي أحبُّه، وأحبّ كونيأمةً تشملها رحمتهُ مهما فعلت..